الصبّوحة تُغادِر / أحمد دراوشة

الصبّوحة تُغادِر../ أحمد دراوشة

الصبّوحة تُغادِر..- أحمد دراوشة

كنّا نغضبُ ونقول: يكفيها ثمانية عقودٍ من الفن، أو أن نوبِّخَها قائلين إنها لا تحترم تاريخَها الفنّي، والّا فكيف تخرج في فيديو كليب مع ‘رولا سعد’ وكيف تشاركُ في حلقات ستار أكاديمي، ومكانها لا بين هواة، بل بين نجوم الصفّ الأول.
كانتِ النساء تقول: ما بال تلك الثمانينيّة العمر تخرج علينا ببنطال لا بفستان صارم؟ ولماذا لم تغب عن الكاميرات أصلًا احترامًا لزمنها الجميل كما فعلت فيروز وشادية (التي ما زالت على قيد الحياة بالمناسبة)؟ وكانَ الجمهور يمقِتُ شعرها الأصفر الذي كانت تحبه مسدولًا على كتفيها، ويمقتُ أيضًا ضحكتها التي كانت تهزّ الأستديوهات.
والحقيقة أن الشحرورة، كانت غيرَ ذلك، كانت تهرب من قيدِ الفقر وإساره، إلى الشاشة الصغيرة التي عرضت فيها أكثر من ثمانينَ فيلمًا، وثلاثة الآف أغنيّة، الصبّوحة المحبّة للأضواء، لا تروقُ لها الغرف المغلَقة، ولا أن تكون عجوزًا في بيتٍ للعجزة، كانت ترى نفسها ملكةً للجمال الدائم، لم تتصوّر يومًا أن تفقد ثروَتَها لتتسوّل المال من السياسيين وحقدهم.
الصبّوحة التي فقدت عائلتها، ولم تستطع أن تجدَ رفيقَ دربٍ رغم الجمال والحظوة، ورغم زيجاتها المتكرّرة، ولم تستطع أيضًا أن تكوّن أُسرةً واحدة تبقى معها للصعاب، كانت تعتبر الجمهور عائلتها، وقد تضايقَ الجميع من صراحتها التي وصلّت حدّ اللاخصوصيّة.
ورحلت صباح، رحلت التي ملأت الأرضَ ضحِكًا وعنفوانًا بشبابها المستمرّ، رحلت رغم رصيدها الفني الكبير بلا مال البتّة، رحلت، رغم الشعبيّة والأضواء، وحيدةً، وحيدةً وحيدة!

m2pack.biz