الصديق في بيته3من اصل7
فنصح له أبوه بطلاقها فطلقها، فما زال حتى ندم وألح به الندم على فراقها، وقال من شعره فيها:
أعاتك، لا أنساك ما ذر شارق وما لاح نجم في السماء محلق
أعاتك، قلبي كل يوم وليلة لديك بما تخفي النفوس معلق
لها خلق جزل ورأي ومنصب وخلق سوي في الحياء مصدق
ولم أر مثلي طلق اليوم أمثلها ولا مثلها في غير شيء تطلق
فرحمه أبوه وأمره بمراجعتها، فراجعها. فكان أبو بكر في هذا نموذجًا مقابلًا لنموذج عمر في هذه الناحية من الخلائق والوشائج القلبية، كما كان نموذجًا مقابلًا له في خلائل شتى ووشائج أخرى. إذ كان عمر ينعى على ولده أنه عجز عن طلاق امرأته، وبعد ذلك من مآخذه حين رشحه بعضهم للخلافة بعده.
ولم يكن لزوجات أبي بكر ما يشتكينه منه غير الإقلال من النفقة والقصد في المعيشة، ففي اليوم الذي اجتمعت فيه نساء النبي عليه السلام يطالبنه بالمزيد من النفقة كانت بنت خارجة زوجة أبي بكر تطالبه هذه المطالبة، فيغضب منها، ويلوي عنقها، ويذهب إلى النبي فيحدثه بحديثها ليسري عنه وقد رآه بين أمهات المسلمين على مثل تلك الحالة. فكأنما كن جميعًا على ميعاد.
ولم يكن أبو بكر مقلًا من المال، ولا عاجزًا عن كسبه قبل الخلافة ولا بعدها، فقد أنفق في سبيل الإسلام أربعين ألف درهم، وما زال ينفق من ماله في شراء الأكسية والأطعمة وتوزيعها على الفقراء ولا سيما في الشتاء، ولكنه آثر متاع روحه على متاع جسده وكره أن يعيش في بيته خيرًا من نبيه وصفيه، وكان يبغض السرف فيقول: “إني لأبغض أهل البيت ينفقون رزق الأيام في يوم”… فلو بقي له من المال ما يجاوز به حظه من النفقة لما جاوزه وهو يرى أمامه مثل النبي ويجب أن يكون مثلًا لمن معه ومن بعده من خلفاء الإسلام وعامة أتباعه.