الصديق والدولة الاسلامية24من اصل28

الصديق والدولة الاسلامية24من اصل28

الصديق والدولة الاسلامية23من اصل28
الصديق والدولة الاسلامية24من اصل28

واستكانت إلى الذلة زمنًا حتى رضيت بالجزية تؤديها لبرابرة الهون والأبارة، واشتملت على أمم كثيرة تعاديها وتتربص بها الدوائر كلما طمع الطامعون فيها.

نعلم اليوم ذلك من الواقع الذي وقع وبطل الشك فيه، ومن التاريخ الذي تفتحت أمامنا صفحاته وقد زال عنها الحجاب.

ولكن الصديق لم يكن قد رأى هذا الذي رأيناه، ولا تصفح هذا الذي تصفحناه، فهل معنى ذلك أنه أقدم بغير علم، وأنه نسي ما طبع عليه من الحيطة والحزم، وأنه سها عن واجب الروية وقد تهيأ له واجب اليقين؟!

لا. فإن الذي كان يعلمه الصديق قد كان يكفيه ويغنيه عن هذا الذي علمناه.

كان يعلم أن الفرس قد خسروا قبل الإسلام وقعة ذي قار وهم أقوى صولة والعرب أضعف شأنًا من شأنهم بعد الإسلام.

وكان يعلم أن الروم قد صبروا على بعثتين عربيتين بلغتا من بلادهم إلى التخوم وأوغلتا في بعض الأطراف ثم فترت همتهم عن مقابلة ذلك بالقمع والقصاص السريع.

وكان يعلم أن العرب إن طلبوا الدين حاربوا صادقين في القتال، وإن طلبوا الدنيا حاربوا صادقين في القتال، وأنهم موعودون بالنصر ومؤمنون بصدق الوعد ومقبلون بنفوس تحت الموت كما يحب أعداؤها الحياة، وأنهم خفاف لا تثقلهم العدد، محميون من وراء ظهورهم بالصحراء إن وجبت الرجعة، مقدمون على أرض خبرتها طلائعهم وهونت عليه خطبهم، وأبلغته من أخبار فتنها ومفاسدها ما يملي له في الإيمان بالقدرة عليها.

فإذا علم هذا فهو حسبه من الروية مقرونًا بذلك اليقين الذي لو سها عن كل روية لكان له بعض العذر، وكان به جل الغناء.

وفي أقل من ثلاث سنوات قصار أنجز ما أنجز من تلك المآثر الطوال.. وفي أقل من ثلاث سنوات أنفذ بعثة أسامة وفي سبيلها ما فيه من صعاب، وقمع الردة وحولها ما حولها من خطر، ووطئ حدود فارس والروم ولها ما لها من هيبة ومنعة: ثلاثة أركان للدولة الإسلامية لم يكن ليقوم لها ركن قبل أن تقوم،

m2pack.biz