الصور، والكلمات، والعبارات (أو الشعارات) 5من اصل5
في كل الأمثلة التي سبقت كنا قد أدخلنا عامل الزمن بصفته العامل الأساسي المؤدي إلى تغيير معاني الكلمات. وإذا ما أدخلنا أيضًا عامل العرق فإننا نجد في نفس الفترة ولدى شعوب متحضرة أيضًا ولكن من أعراق مختلفة إن الكلمات المتماثلة تدل غالبًا على أفكار مختلفة تمامًا. ولا يمكننا أن نفهم هذه الاختلافات إلا بعد القيام برحلات عديدة، وبالتالي فلا أستطيع الإلحاح عليها هنا. وإنما سأكتفي بالقول أن الكلمات الأكثر استخدامًا هي بالذات الكلمات التي تمتلك المعاني الأكثر اختلافًا إذا ما انتقلنا من شعب إلى شعب. نضرب عليها مثلًا كلمتي ديمقراطية واشتراكية اللتين يشيع استخدامهما حاليًّا.
فالواقع إنهما تدلان على أفكار وصور متضادة تمامًا لدى الروح اللاتينية من جهة، والروح الأنغلوساكسونية من جهة أخرى. فكلمة ديمقراطية تعني لدى اللاتين بشكل خاص إمحاء الإرادة وحس المبادرة لدى الفرد لكي تصبحا تابعتين للدولة.
فهذه الأخيرة تصبح مسئولة أكثر فأكثر عن القيادة وتطبيق المركزية واحتكار تسيير الأمور والتصنيع. وإليها تلجأ كل الأحزاب بدون استثناء من راديكالية واشتراكية وملكية، وذلك بشكل مستمر. وأما لدى الأنغلوساكسون وخصوصًا في أمريكا فإن كلمة ديمقراطية ذاتها تعني على العكس التنمية المكثفة للإرادة وللفرد، كما وتعني إمحاء الدولة وضعف دورها في تسيير الأمور. ففيما عدا قطاعات البوليس والجيش والعلاقات الدبلوماسية لا تقود الدولة أي شيء بما في ذلك قطاع التعليم. وبالتالي فإن نفس الكلمة تعني لدى هذين الشعبين معنى مختلفًا كليًّا(1).