الطبع الفردي والطبع الاجتماعي 8من اصل8
وإذا تغيرت هذه البنى الاجتماعية في سياق الطور التاريخي أيضاً فإنها تتحدد، مع هذا، تحدداً نسبياً في الفترة التاريخية الموجودة. ولا يمكن لمجتمع أن يكون له وجوده إلا إذا عمل في داخل إطار بنيته الخاصة. ويجب أن يتصرف أفراد المجتمع ومختلف الطبقات أو المجموعات الطبقية في داخل المجتمع نفسه بحيث يعملون كما يتطلب النظام الاجتماعي. إن عمل الطبع الاجتماعي ينحصر في أن يكون طاقات أفراد المجتمع بحيث لا يتوقف سلوكهم على قرارهم الواعي سواء أكان في نيتهم أن يتمسكوا بالنموذج الاجتماعي أم لا، وإنما يريدون التصرف كما ينبغي أن يتصرفوا ويرضيهم في الوقت نفسه أن يتصرفوا طبقاً لمتطلبات الحضارة. وبعبارة أخرى: إن وظيفة الطبع الاجتماعي هي أن يكون الطاقة الإنسانية في مجتمع معين ويوجهها. بحيث إن هذا المجتمع يستطيع أن يستمر في عمله.
وعلى هذا ما كان في إمكان المجتمع الصناعي الحديث، مثلاً، أن يحقق أهدافه لو لم يستغل طاقة ناس أحرار للعمل إلى حد لا مثيل له حتى الآن. وكان لابد من أن يحول الإنسان إلى شخص يسعى جاهداً لكي يخصص القسم الأكبر من طاقته للعمل الذي له خصائصه مثل الانضباط وحب النظام والدقة إلى درجة غير معروفة في معظم الحضارات الأخرى. وما كان يكفي أن كل فرد عقد العزم كل يوم على أن يعمل ويكون دقيقاً ذلك لأنه كان هنالك في مثل هذه القرارات الواعية الكثير من الشواذ بحيث إن عملاً اجتماعياً خلواً من العسر والعوائق ما كان ليكون مضموناً. كما أن التهديدات واستعمال القوة ما كانت لتكفي لأن الوظائف والمهمات الشديدة التنوع والتباين في المجتمع الصناعي الحديث لا يمكن أن ينجزها دائماً إلا ناس أحرار ليسوا مكرهين على العمل. وكان لابد أن تتحول الضرورة الاجتماعية على العمل والدقة والنظام إلى دافع داخلي. وهذا يعني أن المجتمع كان لابد أن يخلق طبعاً اجتماعياً تكون هذه الدوافع ملازمة له.