العرض العراقي “مكاشفات” عوالم الديكتاتور الموازية
“تاريخ يعيد نفسه”.. ولكن في عوالم موازية بعيدة عن الواقع، يكون حيز اللامنطق الذي نتمنى “منطقته” هو الغالب، وله السيادة المطلقة في هذا الحلم، الكثير من الاعترافات التي خبأها التاريخ في خزائن مغلقة ربما، وربما كانت في خاطر شخوصه التي لم تنطق به أبداً.
كل هذه الاعترافات وهذه الأحلام قدمها العرض المسرحي العراقي “مكاشفات” عن الراحل المسرحي العراقي الكبير قاسم محمد، برؤية إخراجية للمخرج غانم حميد على خشبة المسرح الرئيسي بالمركز الثقافي الملكي في العاصمة الأردنية عمّان، ضمن فعاليات الليلة السادسة من مهرجان الأردن المسرحي بالدورة الثانية والعشرين له، وكان نجوم هذا الليلة المسرحية كل من د.شذي سالم ” بدور عائشة”، د.ميمون الخالدي بدور “الحجاج”، وفاضل عباس بدور “الخادم”.
عالم موازي:
قدم حميد عمله في عوالم موازية أخرى، من الأحلام والمساحات المتخيلة، طارحاً الديكتاتور في معادلة الإنسانية اللامرئية إطلاقاً، كيف يمكن أن يحب النقيض نقيضه، وتبدأ دواخل كلٍ منهم بالخروج تحت وطأة الاتهامات بالخطايا والظلم من أحد الطرفين، يقتربان حيناً ويتباعدان حيناً آخر، ما خدم الفكرة الإخراجية لحميد، لكن باستطاعتنا اعتبار الرمزية التي قدمتها هذه الفكرة مكررة ومبتذلة من جانب ما، بتكرار شخصية الديكتاتور حين نعيد قراءة تاريخ الاضطهاد، وإسقاطه على العصور والحقب اللاحقة.
السينوغرافيا والديكور الخجول:
فارشاً خشبة المسرح ب”القطن الأبيض”، برمزية مباشرة جداً عن رؤيته الإخراجية لخلق عالم موازٍ، لم تتطلب جهداً كبيراً من الجمهور المتلقي لإدراك هذه الرمزية وفهما، ومن جانب آخر لم يستطع حميد أن يستغل هذا الديكور خالقاً حالة من الدهشة، واكتفى بأن يكون جامداً ميتاً غير خادماً لأي مكان في العرض سوى رمزيته التي تحدثنا عنها سابقاً.
رمزية مباشرة أخرى استخدمها المخرج العراقي دون استغلال كبير لها، وهي كرسي الخلافة أو الحكم، الذي اكتفى بوجوده على الخشبة دون أن يخدم هو الآخر لعبة السينوغرافيا في العمل، فظل قطعة ديكور جامدة، كانت الحاجة لها واستخدامها فقيرتين، بل وفي أوقات معينة كانت سبباً لصعوبة التنقل حولها أو عليها من قبل الممثلين، إضافة إلى كونها لم تكن آمنة مسرحياً، بحيث كانت احتمالية السقوط عنها واردة بأي لحظة.
الممثلون.. أحد متعتي العمل:
كل من الممثلين “د. شذى سالم” و”د. ميمون الخالدي” استطاعا أن يحملا عرضاً كاملاً بما قدماه من أداء احترافي مدهش، بعيداً عن الملل كل البعد، حيث أظهرا على خشبة الرئيسي خبرة مسرحية طويلة، تجلت بمتعة عراقية رائقة، أجبرت الحاضرين على البقاء حتى نهاية العمل.
اللغة .. متعة ثانية:
حين ينطق اللسان العراقي باللغة العربية، وخاصة حين يكون عملاً يتحدث عن شخوص من تاريخه الطويل، يخلق دهشة عظيمة، تعود بالمتلقي إلى جماليات لغتنا العربية.
هذا ما قدمه نص الراحل المسرحي الكبير قاسم محمد، بجانب أداء كل من “سالم والخالدي” له، فكانت لغة العرض أقرب إلى الشعر، متّعت مسامع الحاضرين، وساعد في ذلك حرفية الفنان العراقي في نطقها.