الفيلم الكوري الجنوبي «وحيدا على الشاطئ ليلاً».. يوميات عادية لامرأة تبحث عن الحب
باريس «القدس العربي» من سليم البيك: للمخرج الكوري الجنوبي سانغ سو هونغ ثلاثة أفلام شاركت في مهرجانات عالمية العام الماضي وبعدها بدأت بالخروج إلى الصالات، الأفلام هي «كاميرا كلاير» في مهرجان كان السينمائي الأخير ضمن عرض خاص، وفيلم «اليوم التالي» الذي شارك في المهرجان ذاته، إنما في المسابقة الرسمية، وفيلم «على الشاطئ، ليلا» الذي شارك في مهرجان برلين السينمائي والمعروض حاليا في الصالات الفرنسية، وثلاثتها من بطولة الكورية الجنوبية كيم مين هي التي نالت عن دورها في الفيلم موضوع هذه الأسطر جائزة الدب الفضي لأفضل ممثلة في المهرجان.
يبدأ الفيلم بشخصيته الرئيسية، يونغ هي، الذت تدور أحاديث الفيلم حولها أقول أحاديث ولا أقول أحداث، فلا حكاية ولا أحداث هنا، بل أحاديث بين هذه الشخصية، ومعارف لها. يبدأ الفيلم بها تحادث صديقة لها في هامبورغ في ألمانيا، حديث عادي كأن تقول بأنّها تحبّ الأسواق المفتوحة، حيث يفرش البائعون عرباتهم في الساحات، تقول للصديقة بأنّها ستأتي كل يوم لتخبرها الأخيرة بأنّ البائعين يأتون ثلاث مرات في الأسبوع فقط.
يبدأ الفيلم هنا بقطع بين هذه الامرأة الحسناء وبين المحيطين بها: هي في مكان جديد عليها، تحكي عن إعجابها به، تحكي عن رغبتها في الانتقال إليه. تمتد أحاديثها مع صديقتها لتحكي بعدها عن ألا حبيب لها الآن، أن هنالك أحدهم وهو مخرج سينمائي ومتزوّج، ولا تعرف إن كان سيأتي ليراها، وأنها لا يهمها كثيرا إن أتى أم لا. هو قطع مع المكان، رغبة في التعرف عليه أكثر لتقطع مع الماضي، حيث أقامت علاقات عدّة، كما قالت للصديقة، لم تدم أي منها، وهي الآن تبحث عمّن تحبّه.
الفيلم «وحيدا على الشاطيء ليلا» مقسَّم إلى جزءين: الأول الذي نتعرّف فيه على هذه الامرأة، وهي ممثلة تنتظر أن تصلها سيناريوهات تقرأها، تنتظر أن تجد حبا لم تجده في علاقاتها العديدة السابقة، وتنتظر أن تجد مكانا تستقر فيه. هذا المكان قد يكون في كوريا بين أصدقائها. ينقطع الجزء الأول كأنّه من منتصفه، تماما كما بدأ، لندخل في الجزء الثاني من الفيلم، حيث نراها تدخل السينما لتختار فيلما تشاهده، هناك تلتقي بصديق قديم، تذهب معه إلى مقهى، يغادر عائدا إلى عمله، يدخل آخر تعرفه، في المساء تلتقي بأصدقاء، تمتد الأحاديث إلى أن تجد نفسها أخيرا لوحدها على الشاطئ.
الجزء الثاني يُظهر أكثرَ الوحدة التي تعيشها، رغم أنّها تمضيه مع أصدقاء يدعونها إلى العشاء ويحادثونها طوال الوقت، إنّما هذه الأحاديث هي التي تظهر الوحدة التي تعيشها منقطعة في الحب وفي العمل وفي المكان. الأجواء الهادئة في الفيلم، الأحاديث العادية، اليومية، الإشارات في الأحاديث إلى ما هو خارج نطاق الفيلم، مكانيا وزمانيا، بدون الاكتراث بتزويد المُشاهد معلومات عمّا يتحدّث هؤلاء، يجعل الفيلم واقعيا تماما، يجعل الحوارات قابلة للتصديق كما هي، بدون أن تكون مقصودة لمُشاهد خارجي «مجبور» على أن يدرك كل ما يُقال بخلفياته وتفاصيله، وبدون أن يكون السيناريو مضطرا لإقناع المُشاهد بضرورة تبرير كل تفصيل فيه، فلا حكاية تكون هذه التفاصيل مرتبطة بها. بذلك يكون الفيلم تثبيتا للكاميرا في يوميات هذه الامرأة المنقطعة عمّا تحب، لنشاهدها تتحدث في ما لا يهم كثيرا مستمعيها (المُشاهد خارج الفيلم والشخصيات الأخرى داخله) وبزمن واقعي، يجري في الفيلم كما يجري في الواقع، وبزوايا تصوير مبتعدة قليلا عن موضوع الصورة، عن الشخصيات داخل الإطار، كأنّ الكاميرا بالصّدفة أتت واستمعت ورأت يونغ هي وأصدقاءها، في منتصف أحاديثهم، كأنّها كالمُشاهد الداخل إلى الصالة ليشاهد يومين من حياة هذه الامرأة ويخرج.
فكان لا بد أن تكون الأحاديث رتيبة، عادية، وكان لا بد أن لا يكون هنالك أي حكاية، فلا حكاية تحدث في يومين. اليوم الأول هو الجزء الأول من الفيلم، أحاديث على الموائد، واليوم الثاني هو الجزء الثاني منه، أحاديث مشابهة على موائد ومع أصدقاء متشابهين.
الفيلم يصوّر حالة لا حكاية، أحاديث لا أحداثا، شخصيّة لا شخصيات، استطاعت الممثلة كيم مين هي تأدية هذه الحالات والأحاديث والشخصية بتلقائية، بواقعية انسجمت مع طبيعة الفيلم ومع حركات كاميراته، فاستحقّت الدب الفضي في مهرجان برلين السينمائي.
الفيلم الكوري الجنوبي «وحيدا على الشاطئ ليلاً»: يوميات عادية لامرأة تبحث عن الحب