القوة المشتركة لخمس دول افريقية… سلاح ماكرون لمكافحة الإرهاب في الساحل
القوة المشتركة لخمس دول افريقية: سلاح ماكرون لمكافحة الإرهاب في الساحل
باريس «القدس العربي» : للمرة الثانية في غضون شهر، تحتضن العاصمة الفرنسية باريس اجتماعا، يوم الإثنين 15 يناير/ كانون الثاني الجاري، لحشد الدعم للقوة الإقليمية المشتركة لمكافحة الإرهاب التي شكلتها دول الساحل الخمس وهي: مالي وموريتانيا والتشاد والنيجر وبوركينا فاسو، والتي أشرف الرئيسُ الفرنسي إيمانويل ماكرون على انطلاقها، في بداية يوليو/تموز 2017، في العاصمة المالية باماكو، حيث شدد ماكرون مرارا، منذ توليه سدة الحكم في فرنسا، في منتصف شهر مايو/ أيار الماضي، على أن «الكفاح» في منطقة الساحل يشكل أولوية، لأن هناك يكمن «أمن فرنسا ومستقبل جزء من القارة الإفريقية».
تهدف هذه المبادرة إلى تشكيل قوة قوامها خمسة آلاف جندي، ينتمون إلى البلدان الخمسة المعنية، بحلول فصل الربيع من العام الجاري، وذلك بهدف استعادة وفرض الأمن في المناطق التي تنطلق منها الجماعات الإرهابية قبل أن تتلاشى في الصحراء الساحلية المترامية، التي تمتد على مساحة أكبر من مساحة القارة الأوروبية بأكملها.
وزيرة الدفاع الفرنسية فلورانس بارلي، التي احتفلت بحلول العام الجديد مع جنود عملية برخان الفرنسية ضد الجهاديين في الساحل، أكدت أنها ستجمع نظراءها في مجموعة دول الساحل إضافة إلى وزراء دفاع بعض الدول المانحة، يوم الإثنين في باريس، في محاولة لإحراز تقدم في تشكيل هذه القوة المشتركة لدول الساحل، الذي يكلف 423 مليون يورو. وتقول حكومة باريس إنه من الضروري مواجهة التحدي المالي المطروح أمام هذه القوة، في ظل عدم قدرة دول الساحل الخمس على تأمين 250 مليون يورو كمبلغ ضروري لانطلاقة نشاطات هذه القوة في مرحلة أولى على أن يرتفع هذا المبلغ إلى 400 مليون يورو على الأقل أثناء الممارسة التامة.
ومن هذا المنطلق نجح الرئيسُ الفرنسي في حشد الدعم لهذه القوة، خلال اجتماع، في 13 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، بضاحية سال- سان- كلو الباريسية، دعا إليه رؤساء دول الساحل الخمس بحضور المستشارة الألمانية انجيلا ميركل ورئيس الحكومة الايطالية باولو جنتيلوني بالإضافة إلى ممثلين عن المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية، والذي شدد فيه على أنه بات من الملح تحويل الاتجاه إلى منطقة الساحل حيث سجل الإرهابيون انتصارات عسكرية ورمزية في الأشهر الأخيرة. وتنوعت مساهمات الدول لدعم القوة المشتركة لدول الساحل، إذ وعد الاتحاد الأوروبي بمبلغ 50 مليون يورو تضاف إلى 8 ملايين يورو قدمتها فرنسا (معدات عسكرية ولوجستية خاصة)، فيما وعدت الولايات المتحدة بدعم هذه القوة بمبلغ 60 مليون دولار، في حين أكدت السعودية تقديم دعم قيمته 100 مليون دولار، مقابل 30 مليون دولار وعدت بها دولة الإمارات. أما بلدان الساحل الخمسة المؤسسة لهذه القوة فقد وعد كل منها بالمساهمة بمبلغ 10 ملايين يورو.
وتأمل فرنسا أن يكتمل المبلغ المطلوب خلال القمة التي ستعقد في بروكسل في 23 من شباط/ فبراير القادم والتي تهدف إلى زيادة عدد المانحين، بعد أن وصلت الأموال التي وعدت الجهات والدول المانحة بتقديمها إلى 294 مليون يورو. وقد أعلنت دول الساحل الخمس، في اختتام اجتماع لوزراء خارجيتها ودفاعها، في العاصمة المالية باماكو، الأربعاء المنصرم، تأسيس صندوق ائتماني لإدارة الأموال المرتقب أن تقدمها الجهات المانحة للقوة المشتركة لمكافحة الإرهاب التي شكلتها الدول الخمس أخيراً.
وفي انتظار قمة بروكسل، التي تأمل باريس أن تشهد مساهمة مناحين جدد وبالتالي تأمين مبلع 423 مليون يورو المطلوب، اعتبر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، خلال زيارته إلى النيجر في نهاية الشهر الماضي، حيث شارك في عشاء ميلادي مع مئات الجنود الفرنسيين المنتشرين لمكافحة الجماعات «الجهادية» في منطقة الساحل، اعتبر أن المشكل المالي لم يعد عائقا أمام انتشار القوة المشتركة لدول الساحل لمكافحة الإرهاب، بقدر ما أصبح المشكل متعلق بالسرعة العملانية، مؤكدا أن «صلب ما تحتاجه القوة هو توضيح قواعد القيادة والعناصر العملانية على الأرض».
«برخان» و«القوة المشتركة» للساحل: وجهان لعملة واحدة؟
وأكد ماكرون أن العام 2018 سيشهد تنفيذ عمليات عسكرية مرتبطة أيضا بعملية «برخان»، التي تعد أكبر عملية عسكرية خارجية لفرنسا، إذ يشارك فيها 4 آلاف جندي منتشرين في دول الساحل الخمس، وتعد القاعدة الفرنسية في العاصمة النيجيرية نيامي، والتي تضم 500 فردا وطائرات ميراج 2000 وطائرات مسيّرة، المركز الجوي الرئيسي لقوة «برخان»، التي اطلقتها فرنسا عام 2014 لتخلف عملية سيرفال التي تمكنت من تفريق الجماعات الإرهابية في مالي خاصة وإعادة الاستقرار إليها بشكل كبير، غير أن هذه الجماعات تمكنت من إعادة تنظيم صفوفها تدريجيا، رغم انتشار الجنود الفرنسيين في قوة برخان وأيضا انتشار 12 ألف جندي في قوة الأمم المتحدة لحفظ السلام في مالي (مينوسما). فحسب التقديرات، لا يزال هناك بضع مئات بين 500 و800 من عناصر هذه النتظيمات، بحسب التقديرات، ويواصلون إرهاب دول الساحل في طليعتها مالي أضعف هذه الدول.
ومن هنا يرى يبرز دور القوة المشتركة الإقليمية لدول الساحل، حيث يرى الأكاديمي والباحث المالي المقيم في باريس حمدي جووارا أن «من مصلحة فرنسا أن تستقطب أكبر قوة إقليمية مشتركة تعاضدها في مهمتها العسكرية». واعتبر جوارا أن «فرنسا لها مصلحة في ذلك باعتبار أن دول المنطقة هي المسؤولة أولا باستتباب الأمن في المنطقة وربما لخبرة قوات دول الساحل في معرفة الصحراء والقدرة على معرفة القوميات وربما لإستخدامها كصفوف أمامية في حال أرادت القيام بمهمة عسكرية هنا وهنا وما لم تنجح فرنسا في هذه المهمة فإن الرعايا الغربيين سيكونون في خطر دائم «.
غياب الانتقال الديمقراطي يغذى الإرهاب
ويؤكد مراقبون أن إخفاقات عملية السلام في مالي تساهم بشكل أو بآخر في تقوية هذه الجماعات الإرهابية، هذا بالإضافة إلى مشاكل أخرى على غرار «التخلف والتهريب وتأثير زيادة عدد السكان» والتي اعتبر الكولونيل ريجي كولكومبيل، وهو أحد قادة عملية برخان الفرنسية أنها «أساس المشكل» في منطقة الساحل، حسبما نقلت عنه وكالة فرانس برس.
وفي هذا الإطار شدد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال الزيارة التي قادته إلى النييجر نهاية العام الماضي، على أن هناك ثلاثة أركان لا يمكن التفريط بواحد منها، الأمن والتنمية والديمقراطية، موضحا أن لدى النيجريين هدف هو تأمين انتقال ديمقراطي للسلطة في العام 2021، الذي سيشكل أول تجربة للإنتقال الديمقراطي في هذا البلد. كما رحبت الوزيرة الفرنسية بالتغيير الحكومي الذي تم في مالي نهاية الشهر الماضي، حيث عين رئيس جديد للوزراء هو السيد سوميلو بوباي مايغا، بعد الاستقالة المفاجئة للحكومة السابقة، قبل سبعة أشهر من الانتخابات الرئاسية. واعتبرت أن هذا التغيير الحكومي من شأنه أن «يتيح بدء حوار واسع، لأن ذلك شرط لا بد منه للعودة إلى وضع مستقر في هذا البلد»، الذي يعد الأكثر هشاشة من بين دول الساحل الخمس.
وهنا يبرز تساؤل حول غياب أو تغييب الجزائر المتكرر عن الاجتماعات بشأن القوة المشتركة لدول الساحل، رغم أنها تضطلع بدور أساسي في المنطقة من خلال حدودها الطويلة مع مالي وليبيا وكونها الراعية للمصالحة الوطنية في مالي. هذا الأمر اعتبر الإعلامي والمحلل السياسي مصطفى طوسه أن من شأنه أن «يعقد مهمات هذه القوة الإقليمية وأن يضع عقبات أمام احتمال نجاحها». فالجزائر يواصل طوسه القول « ترفض أصلا أن تنشط قوى دولية على حدودها لأنها لم تحسم، بعد، مقاربتها الأمنية في محاربة الاٍرهاب».