ثمة حل آخر لهذه المفارقة يتمثل في وجوب تحويل التركيز من القائد ليصبح منصبٍّا على “القيادة”، وعلى هذا- باعتبار القيادة ظاهرة اجتماعية- ربما توجد سماتها بشكل جيد داخل فريق القيادة أو الأتباع حتى لو لم يكن هناك فرد يمتلكها جميعًا.
وبهذا فإن طاقم “السفينة” على سبيل المجاز وليس قبطان السفينة وحده، هو الذي سيمتلك متطلبات بناء المؤسسة والحفاظ عليها، ومن ثم الحاجة إلى التركيز على القيادة لا على القائد. بعبارة أخرى، بدلًا من قصر القيادة على الآلهة، ربما تربط بدلًا من ذلك بالجانب المقابل. وكما تقول أرونداتي روي عن روايتها: “من وجهة نظري فإن إله الأشياء الصغيرة هو عكس الإله. فالإله شيء كبير وهو المتحكم.”
وهنا أود أن أقترح أن القيادة تصاغ بشكل أفضل على أنها “إله الأشياء الصغيرة”.
الفكرة المهمة إذن هي أنه لا يوجد عمل واحد فقط، بل يوجد الكثير من الأعمال الصغيرة التي يقوم بها الأتباع والتي تتجمع معًا لتصنع فارقًا. إن هذا لا يتساوى مع قولنا إن الأعمال الصغيرة بمنزلة “نقاط التحول”، ولكن يتساوى بالأحرى مع قولنا إن الأعمال الكبيرة هي نتائج تراكم الأشياء الصغيرة. إن المؤسسة ليست ناقلة نفط تتوجه حيثما يدير القبطان دفتها، بل هي نظام حي ومتغير، شبكة من الأفراد؛ اتجاهها وسرعتها ليسا إلا نتيجة للكثير من القرارات والأفعال الصغيرة. أو كما يقول ويليام لوندز (1652-1724)، رئيس هيئة الضرائب على الأراضي في عهد الملكة آن: “اعتن بالقروش وسوف تعتني الجنيهات بنفسها.” وترجمت هذه المقولة بتصرف لتصبح: “اعتن بالأشياء الصغيرة وسوف تعتني الأشياء الكبيرة بنفسها.” ولكن الشيء المهم هنا هو الانتقال من البطل المفرد إلى الأبطال المتعددين. وهذا لا يعني أن الرؤساء التنفيذيين ومديري المدارس ورئيس الأمن وجنرالات الجيش وما شاكلهم غير مناسبين؛ إن دورهم حيوي كما سنرى في الفصل الأخير. فبالفعل استعدادهم لاتخاذ القرارات “الكبيرة” ربما يكون نابعًا من تراكم الكثير من الأعمال البسيطة والقرارات الصغيرة.