اللاشعور الاجتماعي 11من اصل11
فإذا ما كرهت إنساناً لأنني أخافه وشعرت بهذا الكره لا بخوفي منه فنستطيع أن نقول إن كرهي مشعور به وخوفي غير مشعور به. ومع هذا فإن خوفي لا يسكن أو يستقر في المكان الغامض الذي هو “اللاشعور”.
على أننا لا نكبت دوافع جنسية أو انفعالات مثل الكره والخوف فحسب، بل إننا لنكبت أيضاً ملاحظة وقائع وحقائق حين تتعارض مع أفكار ومصالح معينة لا نرغب في أن نراها مهددة. ويقدم ميدان العلاقات العالمية أمثلة مناسبة على هذا النوع من الكبت. فكثيراً ما نجد هنا الكبت البسيط لحقائق مشهورة. ومن الحكمة أن ينسى الإنسان العادي وحتى السياسيون عندنا وقائع وحقائق لا تتفق مع خطتهم السياسية. وحين تحادثت مثلاً في ربيع 1960 مع صحافي متوقد الذكاء واسع الاطلاع حول مسألة برلين ذكرت له أن لخروتشوف ما يدعوه إلى الافتراض أننا على استعداد لأن نعقد مصالحة على الشروط التي تم التوصل إليها في سنة 1956 في مؤتمر وزراء الخارجية في جنيف بخصوص المسألة البرلينية، أي القيام بالتخفيض الرمزي للقوات وإيقاف الدعاية المعادية للشيوعية بدءاً من برلين الغربية. وقال الصحافي مؤكداً إن مثل هذا المؤتمر لم يحدث قط وعلى هذا لم يكن الحديث قط عن مثل هذه الشروط. وكان قد أزاح حقائق كان يعرفها منذ أقل من سنتين من شعوره إزاحة تامة. ولا يحدث الكبت دائماً على نحو عنيف جداً كما في هذه الحالة. ويتكرر كبت “الحقائق” الممكن معرفتها أكثر من كبت حقيقة مشهورة. إن مثالاً على هذه الآلية لهو الظاهرة أن ملايين الألمان، بما فيهم زعماء سياسيون وجنرالات، يدعون أنهم لم يعرفوا شيئاً عن أشنع فظائع النازية. ويميل الأمريكي العادي إلى الظن أنهم كذبوا لأنه لم يسعهم إلا أن يروا ما كان يجري على مرأى من عيونهم. (وأقول إنه “يميل إلى الظن” لأن الألمان الآن وبينما أنا أكتب هذا الكتاب هم أعز الحلفاء لنا ولذلك فإن المرء ليغير رأيه في هذه الأشياء كلها عما كان عليه حين كانوا “الأعداء”).