اللاشعور الاجتماعي12من اصل12
على أن أولئك الذين قالوا هذا نسوا أن عند الإنسان القدرة على ألا يرى ما لا يريد رؤيته، وأنه إذاً ليستطيع أن يجادل صادقاً في أن يكون عرف شيئاً كان في إمكانه أن يعلمه علم اليقين لو أنا شاء ذلك. (وقد صاغ ه.س. صليفان لهذه الظاهرة التعبير المناسب جداً “السهو الاختياري”).
والمسألة هي مسألة صورة أخرى للكبت حين يتذكر شخص ما أوجهاً معينة لحادثة ما ولا يتذكر أوجهاً أخرى. وحين يتكلم المرء اليوم على “سياسة التهدئة” للثلاثينات يعود بخاطره إلى أن إنكلترا وفرنسا حاولتا أن تلبيا مطالب هتلر خوفاً من ألمانيا المسلحة من جديد وأن هذه التنازلات قد تدفعه إلى ألا يطالب بالمزيد. على أن المرء ينسى أن الحكومة المحافظة في إنكلترا تعاطفت مع بالدوين وكذلك في عهد تشامبرلين مع ألمانيا النازية ومع إيطاليا الفاشية الموسولونية على سواء. ولولا هذا التعاطف لكان في إمكان المرء أن يضع حداً لتطور ألمانيا العسكري قبل أن يكون هنالك ضرورة لأية تهدئة بزمن طويل. إن السخط الرسمي على الأيديولوجية النازية كانت نتيجة للانقسام السياسي وليس علة له. ثم إن صورة أخرى للكبت هي أن الحقيقة فيها لا تكون مكبوتة، بل معناها الأخلاقي والوجداني. وعلى هذا فإن الفظائع التي ارتكبها العدو في الحرب مثلاً ستكون أدلة أخرى على خبثه ولؤمه. كما أن المرء يحس بأعمال مماثلة ارتكبها بدوره أنها في الحقيقة أعمال تبعث على الأسف، على أنها ردود فعل طبيعية، ناهيك من الكثيرين الذين يجدون أفعال العدو شيطانية ولا يرون الأفعال نفسها مؤسفة، بل يعدونها مسوغة كل التسويغ حين يرتكبونها بدورهم.
ولنوجز مرة أخرى: إن محور تفكير فرويد الاقتناع أن ذاتية الإنسان تتأثر من غير شك بعوامل موضوعية تؤثر من دون علم منه؛ أي من وراء ظهره، إذا صح التعبير، في تفكيره وحسه وبذلك فهي تؤثر أيضاً في فعله وعمله. فالإنسان الذي يعتز شديد الاعتزاز بحريته أنه يفكر ويصمم على شيء ما ليس في الحقيقة إلا دمية متحركة متعلقة بأسلاك توجهها قوى لا يعرف شعوره عنها أي شيء.