تفاعل العمارة مع عرض المقتنيات
عندما تذكر كلمة “متحف” فإن أول صورة ذهنية تبادر الإنسان العادي هي مبني عظيم الحجم، كلاسيكي الطراز، رصين، ذو كتلة ضخمة مسيطرة، وهو ما أدى في معظم الأحيان إلى الترهيب من الدخول، وخاصة إذا احتوى الداخل على عدد كبير من المعروضات المتحفية غالية الثمن، موضوعة في صناديق زجاجية، دون الربط بينها بقصة شيقة أو إيحاءات غامضة.
هذه الصورة الذهنية تتعلق بنظريات العمارة لتصميم متاحف القرن التاسع عشر وحتى وقت لا يتعدى الثلاثين عاماً! وهو ما ساد في معظم أوروبا التي قادت العالم الكولونباتي في القرنين الماضيين. ولكن هذه النوعية من التاحف تنتهي الآن إلى الماضي. فسواء كان متحفاً للتاريخ الطبيعي والعلوم أو للآثار أو للفن المعاصر أو لتاريخ المجتمعات البشرية فإن المتحف قد تطور إلى مؤسسة ليس فقط مهمتها التعليم بل تطورت إلى حدث فني مؤثر مهمته جذب الانتباه، ويا لها من مهمة أصبحت صعبة في بيئة معاصرة تشبع الإنسان فيها بفيض من المعلومات والأحداث والرسائل البصرية والسمعية تأتيه من أمامه ومن خلفه ومن حيث لا يدري.
وأصبح قياس نجاح معمار المتحف وطرق العرض فيه بمدى التأثير الذي يحدثه، وبمقدار ما يتركه في ذهن الزائر من انطباعات ورسائل تعليمية تعمل على ترابط الخبرة الآلية بالخبرات السابقة وبمجالات أكبر وأوسع من مجرد الشيء المعروض مهما كانت قيمته.
ولعل مثال متحف جوجنهايم بلباو بأسبانيا للمعماري المرموق “فرانك جيري” مازال يعتبر المثل الأشهر على هذه الفكرة، فهو يعتبر خبرة وحدث فني مؤثر، وليس مجرد مبنى في محيط، فهو يتخطى دور المتحف التقليدي ورسائله التعليمية والوجدانية.