المرحلة الأولى: يخرج الطفل قبل الولادة من اللاوجود إلى عالم الوجود. وهذا ما عنيناه سابقًا بنقطة الصفر. أي من الموت إلى الحياة والقدر يحتم أن ساعة الميلاد هي بداية العد العكسي نحو نقطة الصفر: البداية، عبر الحياة التي يفتش عبثًا عن معناها وغايتها ولا يكتشف في آخر المطاف أن نهايتها حتمية الموت حق قدر له منذ ولادته على غير علم منه.
وهو منذ ولادته ما فتئ يتعلق بموضوع حتى يفقده، ويفتش عن بديل عنه، ويتضح له في كل المراحل التي يمر بها بأن الموضوع البديل لا يحل مكان الموضوع المفقود، والفارق المتبقي بين الأول والثاني، هو البقية المتبقية التي تدفعه إلى الاستبدال والتعويض؛ ولكن يبقى الفارق بين الأول والثاني بحكم المفقود غير القابل للتصور أو التجسيد، لأنه موضوع تعجز عن استرجاعه كل البدائل المستجدة.
وهكذا ينفصل عن رحم الأم، حيث كان يؤمن له الإكفاء من غذاء، ودفء، وطمأنينة، معزولًا عن كل الإثارات الخارجية([1]). فمنذ ولادته لا يفتأ الإنسان ينفصل عن مواضيع كانت محور حاجته وطلباته، ففي البداية عن المشيمة (Placenta) مورد غذائه، لكي يستبدله بثدي الأم، وفي مرحلة الفطام ينفصل عن هذا الثدي الذي يصبح كسابقه بحكم الموضوع المفقود. وكذلك في المرحلة الشرجية يواجه طلب الآخر بعد أن كان هو موضوع طلبه، بالتحكم في برازه. ويصبح هذا البراز موظفًا بأهمية ليست بعيدة عن المواضيع السابقة المفقودة، كل هذه المراحل تؤدي به إلى المرحلة الفالوسية، حسب تعريف فرويد، لكي يواجه مشكلة من نوع آخر ترتكز في قاعدتها على المراحل السابقة والتي تؤدي به في النهاية إلى خيار الاحتفاظ بالقضيب أو التخلي عنه عبر عقدة الخصاء. يقول لاكان في محاضراته اللاوعي “اللاشعور” إن المرحلة الأولى تتميز بتساؤل الطفل عن رغبة الأم. فما بعد إكفاء حاجته يصبو إلى نقصان الأم. ويحتل هذا المكان لكي يستقطب كل اهتمامها وإلغاء كل حاجة لها خارج وجوده. وهذا الآخر يعطيه لاكان مفهوم الكبير نظرًا إلى أنه الوحيد الذي يرتهن به، ويعطي معنى لوجوده غير تلبية حاجته، والاستجابة لطلباته.
([1]) وقد شبه فرويد هذه الحالة بالنرجسية التي تنتاب النائم. يغيب فترة زمنية شبيهة بالحالة التي كان بها في الرحم. أي ينقطع عن الإثارات الخارجية في شكل جنيني.