المجالس النيابية 11من اصل11
ولكنهم يعلمون أن اعتماد القرار سوف يسئ كثيرًا إلى ميزانية الدولة ويتطلب فرض ضرائب جديدة. ومع ذلك فمن المستحيل عليهم أن يترددوا في التصويت عليه. وذلك لأن النتائج المترتبة على زيادة المصروفات بعيدة بالنسبة لهم ولا تسئ لمصالحهم الشخصية، هذا في حين أن عدم تصويتهم على القرار المذكور يجعلهم يدفعون الثمن باهظًا في أقرب انتخابات مقبلة.
وبالإضافة إلى هذا السبب الأول الخاص بزيادة المصاريف هناك سبب آخر لا يقل إكراهًا وإلزامًا: هو الموافقة على كل المصاريف ذات المصلحة المحلية الصرفة. فلا يمكن لأي نائب أن يعترض عليها. وذلك لأنها تمثل مطالب الناخبين أيضًا، ولا يمكن لأي نائب أن يحصل على ما يحتاجه بالنسبة لدائرته الانتخابية إلا إذا وافق على المطالب المشابهة لزملائه النواب الآخرين بالنسبة لدوائرهم(2).
أما الخطر الثاني المذكور آنفًا والمتعلق بتقييد الحريات الفردية فهو غير ظاهر للعيان كالسابق ولكنه موجود بالفعل. فهو ناتج عن القوانين العديدة جدًا والتي هي دائمًا حصرية تقيد الحرية. والمجالس النيابية لا ترى انعكاساتها ونتائجها بسبب روحها التبسيطية، وبالتالي فهي تعتقد أن من واجبها التصويت عليها.
وهذا الخطر محتوم ولا مفر منه لأن إنكلترا نفسها حيث يوجد أفضل نموذج للنظام البرلماني وحيث أن النائب هو الأكثر استقلالية بالقياس إلى ناخبه، أقول إن إنكلترا نفسها لم تستطع أن تتخلص منه. كان هيربرت سبنسر قد بين في كتاب قديم أن زيادة الحرية الظاهرية يعني التنقيص من الحرية الحقيقية. ثم استعاد نفس الأطروحة في كتابه “الفرد ضد الدولة”، وعبر عن رأيه تجاه البرلمان الإنكليزي على النحو التالي:
“راح التشريع منذ ذلك الوقت يتبع المسار الذي أشرت إليه. وراحت القرارات الديكتاتورية تتزايد بسرعة وقد مالت إلى التضييق على الحريات الفردية باستمرار، وذلك بطريقتين: أولًا طريقة التنظيم واتخاذ القرارات. ففي كل سنة كانت تتخذ القرارات بعدد أكبر وتفرض إكراهات قسرية على المواطن حيث كانت أعماله حرة تمامًا سابقًا.