المجالس النيابية 3من اصل3
ولهذا السبب نجد في كل دورة نيابية أن البرلمان يبدي آراء ثبوتية جدًا وأخرى ملتبسة جدًا. وفي نهاية المطاف لما كانت المسائل العامة هي الأكثر عددًا فإن الالتباس هو الذي يتغلب. وهذا الالتباس يغذيه الخوف يتوصل دائمًا إلى موازنة تأثير القادة المحركين.
وهؤلاء الأخيرون هم في نهاية المطاف الأسياد الحقيقيون للمناقشات التي لا يكون للنواب آراء مسبقة أو ثابتة تجاهها.
إن الحاجة للقادة المحركين شيء لا جدال فيه لأننا نجدهم في كل البلدان تحت اسم رؤساء المجموعات النيابية. إنهم الملوك الحقيقيون للمجالس النيابية. والناس المنخرطون في الجمهور لا يمكنهم الاستغناء عن زعيم أو سيد، ولهذا السبب فإن التصويت الجاري في مجلس نيابي ما لا يعبر عمومًا إلا عن رأي أقلية صغيرة.
إن القادة المحركين، ولنكرر ذلك مرة أخرى، يتحركون قليلًا جدًا بواسطة العقل والمحاكمة العقلية، وكثيرًا جدًا بواسطة هيبتهم الشخصية. وإذا ما عرتهم منها حالة ظرفية ما فإنهم يفقدون كل تأثير ونفوذ.
وهذه الهيبة التي يتمتع بها القادة المحركون فردية ولا علاقة لها لا بالاسم ولا بالشهرة. كان السيد جول سيمون قد عرف البرلمان كنائب وتحدث عن رجاله العظام عام (1848)، وقدم لنا أمثلة مدهشة وغريبة فعلًا. يقول:
“لم يكن لويس نابليون شيئًا يذكر قبل شهرين فقط من تحوله إلى شخص جبار”.
ثم صعد فيكتور هيغو إلى المنصة، ولم ينجح في مهمته. وقد استمعوا إليه كما يستمعون لفيلكس بيات، ولكنهم لم يصفقوا له بنفس القدر. قال لي فولابيل وهو يتحدث عن فيلكس بيات: “لا أحب أفكاره، ولكنه أحد كبار كتاب فرنسا وخطبائها”. أما إدغار كينيه، ذلك الرجل النادر والعظيم فلم يكن له أي شأن. فقد عرف شعبية كبيرة للحظة ما قبل افتتاح المجلس النيابي، ولكنه لم يكن يحظى داخل المجلس بأي شعبية.
إن المجالس النيابية السياسية هي آخر محل في الأرض يمكن للعبقرية أن تشع فيه. فلا أهمية فيه إلا للفصاحة الخطابية المتناسبة مع الزمان والمكان، وللخدمات المقدمة للأحزاب السياسية لا للوطن. أما الجمهور العادي فيلتقي هيبة القائد المحرك ولا يدخل في سلوكه أي مصلحة شخصية ولا ينتظر جزاء ولا شكورًا.