المجالس النيابية 6من اصل6
وهذه الفصاحة الخطابية الخاصة هيمنت كما قلت قبل قليل على كل المجالس النيابية. وفي الفترات الحرجة تزداد حدتها. إن قراءة الخطب التي ألقاها الخطباء الكبار للثورة الفرنسية ممتعة جدًا وعظيمة الدلالة من وجهة النظر هذه. فقد كانوا يعتقدون أنهم مضطرون لقطع خطابهم في كل لحظة من أجل فضح الجريمة وتمجيد الفضيلة، ثم ينفجرون باللعنات ضد الطغاة، ويقسمون بأنهم سيعيشون أحرارًا أو يموتون. وكان الحضور ينهضون وينهضون ويصفقون لهم بكل هيجان ثم يعودون للجلوس بعد أن يهدءوا.
ويمكن للقائد المحرك أن يكون أحيانًا ذكيًّا ومثقفًا. ولكن ذلك يضره عمومًا أكثر مما ينفعه. إن الذكاء إذ يبين تعقد الأشياء ويتيح تفسيرها وشرحها يجعل المرء أكثر تسامحًا ويضعف بالتالي إلى حد بعيد من حدة القناعات وعنفها. وهذه القناعات ضرورية للرسل والمبشرين كما هو معروف. إن القادة المحركين في كل العصور، وخصوصًا أولئك الذين برزوا أثناء الثورة الفرنسية، كانوا محدودي العقل جدًا، ومع ذلك فقد مارسوا تأثيرًا كبيرًا.
إن خطابات أشهر واحد فيهم، أي روبسبيير، مذهلة في الغالب من حيث تناقضاتها وعدم تماسكها. وعندما نقرؤها لا نجد فيها أي تفسير معقول للدور الضخم الذي لعبه الديكتاتور الكبير. قيل عنها:
“إنها أشياء مبتذلة ومليئة بالتكرار الخاص بالفصاحة التربوية والثقافة اللاتينية الموضوعة في خدمة روح تبدو صبيانية أكثر مما هي مسطحة. وهي تحصر نفسها في الهجوم كما في الدفاع بتلك العبارة الخاصة بتلاميذ المدرسة: “هلموا إذن!”. ليس فيها أي فكرة جديدة ولا لفتة ولا ميزة خصوصية. إنها تمثل الضجر في الإعصار. وعندما نخرج من هذه القراءة الكئيبة نشعر بالحاجة لأن نصرخ: أوف! كما كان يفعل الرجل اللطيف كامي ديمولان”.
إنه لمن المرعب أن نفكر ولو للحظة واحدة بتلك السلطة التي يخلعها الاقتناع القوي على رجل محاط بهالة الهيبة الشخصية إذا ما اقترن هذا الاقتناع بضيق العقل والنظر. إنها لسلطة هائلة. ولكن هذين الشرطين (أي الاقتناع القوي وضيق النظر أو عدم التفكير بالعواقب) ضروريان لمن يريد أن يقتحم ويجعل العقبات. والجماهير تعرف هؤلاء القادة بالغريزة وترى فيهم السيد المطاع والرجل ذا التصميم العنيد الذي يلزمها.