المدرسة الشكلانية الروسية
تعريف الشكلانية الروسية
هي نزعةٌ تهدف إلى تغليبِ قيمة الشكل والقيم الجماليّة على مضمون العمل الأدبيّ، وما فيه من فكر أو خيال أو شعور. ركّزت الشكلانية الروسية -في بداياتها- اهتمامَها على الشكل في العمل الأدبيّ، لكنّها تطورت لاحقًا إلى دراسة بنية هذا الشكل، ومن أبرز ما ميّز الشكلانية الروسية هو رفضها لكلّ ما هو مُغرق في الغموض، كما اعتمدت الشكلانية منهجيّة تجريبيّة تركز على دراسة الظواهر والملاحظات التجريبية، بعيدًا عن الانطباعية، وكان تركيزها على الشكل ونسيج النص اللفظي، وهذا دفعها إلى دراسة الأصوات وتكراراتها وتناسقها وإيقاعها، وممّا هو جدير بالذِكر أن المدرسة الشكلانية الروسية وضّحت الفرق بين اللغة الشعرية واللغة العمليّة في استخدام الكلمات، كما عملت على تحديد المستويات المختلفة للنص وأساليبه.[١]
المدرسة الشكلانية الروسية
ظهرت الشكلانيّة الروسية عام 1915م في موسكو، وكانت في ثلاثينيّات القرن العشرين في ضعف وانعزال، وبعدها ازدهرتْ في السنوات اللاحقة، إذ كانت الشكلانية الروسية ردّة فعل على النظريّات الرومانسية في الأدب، والتي سلطت الضوء على الكاتب وقدراته الإبداعيّة المستقلة، وبدلًا من ذلك سلطت الشكلانية الروسية الضوء والاهتمام على النص لتؤكّد أهمية الشكل بالنسبة إلى النص، وما له من أثر في التطورات التي تطرأ على النص، فالشكليّون وبسببِ رفضهم لواقعهم وللحرب العالمية الثانية كانوا لا يهتمون بالنظريات الأدبية، ولا بالمعلومات المتعلّقة بالنص، ولا يكترثون لأهميّة الكاتب على أنه مبدع لهذا النص، فقد أهملوا الكاتب ودوره إهمالَهم للواقع وسماته.
وقد تطورت مدرستان نقديتان شكليتان: الأولى في موسكو، وهي التي نشأت منها الشكلانية الروسية، والثانية التي تبعتها الشكلانية الأنغلوأمريكية النقديّة الجديدة، وكانت الشكلانية هي النمط المهيمن على الدراسات الأدبية النقدية في أمريكا حتّى السبعينيات متجسدة في النظرية الأدبية لدى رينيه ويليك واوستين وارين. [٢]
رواد المدرسة الشكلانية الروسية
تجسّدت المرحلة الأولى للمدرسة الشكلانية الروسية فى ثورتِها على آراء كارل ماركس وتنظيراته، كما أعلنَ الشكليّون الروس رفضَهم لنظريّة الانعكاس التى قدَّمها جورج لوكاتش، وأعلَنوا أنّ النقد لا بد وأن ينتقل إلى داخل العمل، أمّا المرحلة الثانية فظهرت في شكلٍ جديد على يد جاكوبسون وباختين بعد أنْ شعَرَ جاكوبسون أنّ الموت أوشك أن يلحق بالشكلانية؛ وذلك بسبب الحصار الروسي لها عام 1930؛ لأنها أنكرت النواحي السياسية للإبداع، ورفَضَت الواقع، ومن أبرز أعلام الشكلانية الروسية:[٣]
ميخائيل باختين
دعا ميخائيل باختين إلى ضرورة عَقْد المصالحة بين المدرسة الشكلية والمدرسة الماركسية، وذلك عندما أبرزَ رأيَه باجتماعيّة اللغة؛ لأنها تعدّ في الأساس ظاهرة اجتماعيّة، وبذلك يبتعد باختين قليلاً عن القطعية التي أعلنها الشكليون الأوائل مع ما هو خارج النص، وهو ما سبب موضوعًا للبحث، غير أن باختين ظل محتفظاً بمسافة بينه وبين الشكليين، تلك المسافة التى جعلته لا يقر بنظرية الانعكاس، إنما تركزت نظرته على ديناميكية اللغة بسبب قناعته بظاهريتها الاجتماعية.
جاكوبسون
كان جاكوبسون صلة الوصل بين الشكلانية و البنيوية، إذ حاول من خلال قراءاته النقدية للشعر أن يصل إلى التناسق والتوافق بين الشكل والمحتوى، كما ركز على العلاقات القائمة بين اللغة اليومية واللغة الشعرية، وأشار فى مقالته “اللسانيات والشعرية” إلى الشعرية، ووصل من خلال حديثه عن الشعرية إلى تحديد نظرية للاتصال وعناصرها الرئيسة وهي: المرسل الذى يقوم ببث رسالته عبر قناة داخل سياق، تحمل هذه الرسالة شفرة أو عددًا من الشفرات، يقوم المتلقي بحل شفراتها، وكلّ عامل من هذه العوامل له وظيفة لسانية مغايرة للأخرى.
مبادئ الشكلانية الروسية
عمل الشكلانيون الروس على إرساء مبادئ نظرية جمالية، وتطلّعوا إلى خلق علم أدبي مستقلّ ينطلق من المميزات الجوهرية للأدب والسمات الفنية له، إذْ كان هدف الشكلانية الروسية هو الوعي النظريّ والتاريخيّ بالوقائع المتعلّقة، وتأسيس نظرية أدبية يكون العمل الأدبي موضع اهتمامها الأساسيّ.[٤]
لقد طالبت الشكلانية بمقاربة النص الأدبي على أنه بنية فنية مغلقة ومكتفية بذاتها، لا يرتبط بوقائع خارجية، ولذلك كان تركيزُها في تحليلها للنص الأدبي مُنصبًا على النص بوصفه نقطة البدء والمعاد، والنأي بالنقد عن العلوم الإنسانية التي سيطرت على الخطاب الأدبي فترةً من الزمن، مركزة على ما هو خارج النص من تاريخ وعلم نفس وعلم اجتماع وسيرة وغير ذلك، ومع أنّ الشكلانية تجاهلت العوامل الخارجية في دراسة الأدب، ولكنْ هذا لا يعني عدم اعترافها بقيمتها، إنّما يعني تحديدها لمجال اتجاهها النقدي في قراءاتها للنصوص الأدبية.[٤]
لقد دافعت الشكلانية الروسية عن رأيها الذي يقولُ إنّ جوهر الظاهرة الأدبيّة لا يكون في علاقتِها بمنشأها أو بيئتها إنما في كينونتها الموضوعية، بوصفها بنية مستقلة، ولعل أهمّ مبادئها هو تقييم النص بوصفه نصًا لغويًا فقط، إذ إن بناء النص الأدبي وجوهره الأساس إنما يكون في الكلمات وليس في الأفكار، فليس معنى النص أو مضمونه ولا العوامل الخارجية المحيطة به هو ما يمنح الأدب هويته، إنما صياغته وطريقة تركيبه ودور اللغة فيه هو ما يجعل من الأدب أدبًا، ومن هنا ظهر مع هذه المدرسة النقدية ما يسمّى “أدبية الأدب ” والذي يسلّط الضوء على مجموع المواصفات التي تتحقّق في النص لتجعل منه أدبًا، يقول جاكبسون: “إن موضوع العلم الأدبي ليس هو الأدب إنما (الأدبية) أي ما يجعل من عملٍ ما عملًا أدبيًا”.[٤]
اضمحلال دور الشكلانية الروسية
هوجمت الشكلانيّة لنقاط عدة من أبرزها أنه ومع إعطائها دلالات جديدة للمفردات نفسها إلا أنّ ذلك سيصل بها في النهاية إلى السياق العام أو المعنى الذي يبتعدون عنه باعتمادهم وتركيزهم على الشكل، لذلك فإنّ الشكليّين لا يستطيعون -مهما حاولوا- عزل أنفسهم عن الواقع لأن المحتوى مرتبط بالواقع بناء على نظرتهم. وكان من أبرز معارضيهم: شارون كرولي، وجيمس ويليامز.[٥]
في أواخر السبعينات اضمحلّ دور الشكلانية لأسباب كثيرة، أبرزها هو السبب السياسيّ؛ إذ رفض السياسيّون عزل الشكلانيين لأنفسهم عن الواقع ووجهوا لهم الادعاءات، وعارضوا فكرة إمكانيّة التفريق بين العمل الأدبي وبين أصله ومعانيه والعوامل الخارجية المؤثرة فيه، كما تعرّضت الشكلانية إلى رفض كبير عبر تاريخ وجودها، وكان هذا الرفض هو الورقة الرابحة في يد منافسيها ليؤكّدوا سوءَ نظريتها، وانحرافها الأيديولوجي عن باقي المذاهب والمفاهيم، لكنْ ممّا هو جدير بالذكر أن بعض النقاد الأدبيين الأكاديميين يميلون لظهور الشكلية من جديد.[٥]