المعرفة والتاريخ في «سطات» المغربي شعيب حليفي

المعرفة والتاريخ في «سطات» المغربي شعيب حليفي

المعرفة والتاريخ في «سطات» المغربي شعيب حليفي

■ يهتم شُعيب حليفي في كل الأعمال التي يقوم بها، سواء على مستوى التأليف أو التأطير أو البحث العلمي أو التنشيط الثقافي، بمسألة أساسية وهي الإبداع. فهو يؤكد، أنه لا تميّز لأي نشاط ثقافي أو أدبي أو علمي أو جمعوي، إن لم يكن دافعه الإبداع والتجديد. ولا يقبل أن يراكم أفعاله الثقافية بدون إبداع. يعني أن قلق الإبداع لدى شعيب حليفي يرفض الاستكانة والاستقرار والاطمئنان إلى إبدالات جمالية وفنية وفكرية ثابتة، ويجعله يمارس على نفسه صرامة شديدة تجعل كل أعماله النقدية والسردية والبحثية تحقق صفة الإبداع والابتكار التي تمنحها تميّزها المتواصل وكسر أفق الانتظار، لأنه من المؤمنين بأن الكتابة إبداع متواصل، ألم يقل ذات شهادة «أنا كائن باع نفسه للخيال».
يأتي شعيب حليفي بين الفينة والأخرى، بنصوص إبداعية ونقدية تتميز بالفرادة والجدة، جمالا وفكراً وبناء؛ ويمكن أن نذكر كيف استثمر الكاتب يومياته ليقدم نصا روائيا هو «لا أحد يستطيع القفز فوق ظله» (2010)، وكيف اغتنم محطات من أسفاره لكتابة نصوص رحلية مغرقة في التخييل، تروم اجتراح ممكنات جديدة للكتابة الرحلية، وتجلى ذلك في كتابه الرحلي «أسفار لا تخشى الخيال» (2012)، بدون أن ننسى كيف حوّل الممارسة النقدية إلى فعل إبداعي، كما تبلور ذلك في كتابه النقدي الأخير «ثقافة النص الروائي» (2016). ويتواصل هذا المنحى الإبداعي في كتابه الجديد «سطات في تأريخ مصير الأزل وما في الألواح الضائعة لممالك تامسنا» (منشورات القلم المغربي، الدار البيضاء، 2017.) يحاول شعيب حليفي مدّ جسر بين الكتابة التاريخية كحقل معرفي يروم العلمية والموضوعية والكتابة الإبداعية التخييلية الحرة والمنطلقة.
وقد قسم هذا الكتاب إلى فصلين، الأول عنونه ب«سبع سنابل» خصه لتاريخه العام، بالحديث عن رحمه الذي خرج منه وهو قبيلة الشاوية بشكل عام، ومدينة سطات بشكل خاص، وكأنه يريد القول: لا يمكنكم معرفتي إلا إذا عرفتم الرحم الذي خرجت منه، أي من أين جئت، وذلك من خلال سبع مقالات أو شئنا سبعة تأملات («مملكة تامزغا»، «من الثورة إلى الانتفاضة»، «قضاة سطات»، «أولياء وزوايا»، «ترابها وجدان وحكايات»، «جزيرة سطات المفقودة»، «يوم من أيام فبراير») تعيد الاعتبار للذاكرة الفردية والجماعية، تعيد، بحس مقاوم يؤسس لسردية مضادة، كتابة تاريخ الشاوية. وخصص الفصل الثاني المعنون ب«سبع كلمات» للحديث عن ذاته، من خلال تقديم سبع شهادات عن شخصيات وأماكن قريبة من قلبه يعتز بها أيما اعتزاز وبشكل خاص والده وجدته («بويا.. آخر الفرسان»، «من أرشيفه في ضوء الزمن»، «فاطنة بنت الطاهر»، «صور من طفولة مشتركة»، «قلب الهدهد»، «ايها الرفاق.. متى تقوم الساعة»، «الكتاب الكامل لصالح بن طريف (نسخة أصلية)»).
ليقدم لنا شعيب حليفي في هذا الكتاب طبقا سرديا مثيرا يجمع بين المعرفة والتخييل، ويجعلهما يتجاوران ويتعاونان في إنتاج هذا النص الذي كتب بحب، سمح بتقريب لغة التاريخ الصارمة من لغة الأدب المتحررة والمنطلقة والجانحة نحو التخييل، مع تغييب مقصود للإحالات، واختيار عناوين ذات نفس تخييلي، لأنه يريد أن يكتب التاريخ بروح الأديب الذي لا يريد التخلي عن هويته التخييلية، من خلال سعيه إلى إعادة الاعتبار للمسكوت عنه في التاريخ وإعادة النظر في كثير من الحقائق في تاريخ المغرب عامة وتاريخ الشاوية خاصة، وتصحيح مغالطات بعض المؤرخين بخصوص الشاوية، قديما وحديثا، وفي التاريخ المعاصر من خلال أمثلة كحديثه عن بورغواطة ومقاومة رجال الشاوية البواسل للاستعمار الفرنسي، ساعيا الى إعادة الاعتبار للأبطال الذين همشهم التاريخ الرسمي، محاولا ملء فجوات التاريخ وفراغاته وإعادة الاعتبار للمنسيين، وفتح السجلات المنسية بروح الروائي الكاشف بحس روائي عن أبطال الماضي والحاضر الأحياء والأموات. انطلاقا من منطلق موجه وهو أنه لكي نفهم الحاضر وأعطابه لا بد من الاحتماء بالتاريخ المنسي ونفض غبار التناسي عنه.
هكذا يكتب شعيب حليفي التاريخ بنفس الروائي المتحرر من صرامة اللغة العلمية، ويترك الحرية للروائي للكشف عما أهمله المؤرخ، بنفس نقدي حاد ومقاوم، يحاكم الكثير من مغالطات المؤرخين، ليقدم سردية مضادة ومقاومة.
٭ كاتب مغربي

m2pack.biz