الملاحظة والاستنتاج: أبحاث الذاكرة في العصر الحديث
1 من أصل 2
يتضح أثر الذاكرة من خلال الدرجة التي يؤثر بها حدث ما على السلوك اللاحق عليه. ولكن كيف نعرف إن كان السلوك اللاحق متأثرا بالحدث السابق؟ في الجزء الأخير من هذا الفصل سنستعرض بعض التقنيات التي يستخدمها باحثو الذاكرة المعاصرون في هذا المجال.
جرب ما يلي: اكتب أول ١٥ قطعة أثاث تخطر على بالك، ثم قارن قائمتك بتلك الموجودة في آخر هذا الفصل. ربما تجد العديد من التطابقات. لو كنت قد حفظت قائمة بأسماء قطع الأثاث، ثم طلب منك بعد ذلك تذكرها، فهل نستطيع أن نستنتج منطقيٍا أن تفكيرك في قطعة أثاث معينة يعزى مباشرةً إلى تذكرك القطع الموجودة في القائمة المقدمة مسبقا؟ هذا ليس استنتاجا سليما: فربما تتذكر بعض القطع السابقة، وربما تفكر في قطع أخرى بسبب تأثير غير مباشر أو لاواع ناتج عن القائمة السابقة، في حني أنك قد تفكر في بعض القطع لمجرد أنها قطع أثاث (أي ليس كنتيجة لحفظ قائمة الكلمات مطلقا)؛ وبالتالي لا يمكن أن نستخلص بالضرورة أن عدد التطابقات بين قائمتك وقائمة التجربة يعتبر مقياسا دقيقا لتذكرك القائمة (لأن التطابقات قد تحدث لأي من الأسباب المذكورة في الجملة الأخيرة).
يسلط هذا المثال الضوء على مسألة مهمة في أبحاث الذاكرة، فحسبما أشرنا بالفعل، لا تُلحظ الذاكرة مباشرةً (على عكس، مثلا، العاصفة الرعدية أو التفاعل الكيميائي)، ولكن يُستدل عليها من التغير في السلوك، الذي عادةً ما يُقاس من خلال تغير ملحوظ في أداء مهمة ما مصممة لقياس الذاكرة.