المنطقان المتعاكسان اللتان تحكمان حوار الحضارات
كثر الحديث عن حوار الحضارات والأديان والثقافات، الأمر الذي يدل على مدى الوعي بالصعوبات التي تعترض الجميع في شتّى أرجاء العالم، ويدل كثرة الحديث عن هذا الموضوع من جانبٍ آخر على الاختلالات التي تعترض منظومة العلاقات السائدة بين كافة الأمم، وأنها لم تعد نافعة أو عادلة، إضافةً لعدم قابليتها للممارسة أو التنفيذ بشكلٍ يمكن أن يحقق مصالح إنسانيّة كالسلام والأمن والتقدّم، وعلى وجه الخصوص تلك الاختلالات التي تعاني منها منظومة القيم والثقافة الأمريكيّة والغربيّة، وخاصّةً ما دلّت عليه أحداث الحادي عشر من أيلول
يظهر سبب تلك الاختلالات التي ترجع في جوهرها إلى منطقين متعاكسين في المنطلق والاتجاه، ونظراً لتعاكسهما فإنّ مصير الإنسانيّة مهددٌ باستمراريّة هيمنة وغطرسة الدول العظمى التي تجد في نفسها القدوة والحضارة، أو استمرار حالة الاحتقان التي تسود العديد من المناطق حول العالم.
بالنسبة للمنطقين المتعاكسين فهما المنطق التاريخي الذي يقضي بالبشريّة إلى وحدة الحال والمصير بفضل التزايد المستمر في التقدم، والذي بالتالي يزيد من ترابط المصالح المشتركة بين الأمم والدول، إضافةً للتقدّم التكنولوجيّ الكبير والذي أدّى إلى تحوّل العالم إلى قريةٍ صغيرة بفعل التقارب الذي نتج عن هذا التطوّر الهائل في الزمان والمكان، ومن جهةٍ ثانية يتجسّد منطق الهيمنة الغربيّة على العالم، والسعي لفرض نمطٍ عنصري محدود الأفق قاصر في مداه ورؤيته، وماديٌ في طموحاته وتوجهاته ومتحيّزٌ في قيمه، وصداميٌ في طريقة تعامله؛ حيث يسعى هذا النموذج من خلال ما يملكه من غلبةٍ حضاريّةٍ مؤقتة، فرض ثقافته ومعياره على كافة دول العالم، الأمر الذي ينتج عنه رفضاً واعتراضاً من باقي الكيانات الحضاريّةِ الأخرى. ومن هنا تظهر إشكاليّة قائمة على نقطتين غايةً في الأهميّة، هما:
وحدة المصير للبشر تفرض على كافة الشعوب والدول والأمم والحضارات التزاماً جماعيّاً ناتجاً عن متطلّبات عالميّة أو كونيّة، والتي نتجت عن وحدة مصير الجميع بفعل المصالح المتداخلة، ولأن العالم قد تحوّل بفعل التطوّر لقريةٍ صغيرة تؤثر أدنى حدثٍ فيها في كافة أرجاء المعمورة، ومساسه بكافة البشر دون استثناء.
الاختلاف والتمييز في المعايير، والقيم والثقافات بين مختلف الشعوب، والتي ينتج عنها حقٌ أساسيّ من حقوق الشعوب، والأمم، والكيانات الحضاريّة في الاختلاف والتمييز عن الثقافة الغربيّة التي تهيمن على كافة الأمور، وبالتالي يجب الاحتراز بشكلٍ نظري وعمليّ من الذوبان في عمق تلك الثقافة.