الموتُ بعيداً عن الموت
أتدري متى تصبح رائحة القهوةِ رحلةً إلى البحرِ؟
وأن ترى شالاً فوق حبلِ الغسيلِ بقيمةِ أن تطيرَ؟
أتدري متى تصبح وردةٌ مهملةٌ في الشرفةِ نهاراً من النزهاتِ؟
وصابونة البيتِ والعطرُ والنتُّ نهراً من الأغنياتِ
أتدري متى؟
بعد ليلةِ اشتباكٍ خيَّطَ فيها الرصاصُ شبابيكَ بيتكَ..
أنتَ تنتظرُ الموتَ
والموتُ في كل شيءٍ
لكنه لا يجيء!
في الثامن عشر من نيسان
في حمص
فتحتِ البنادق أفواهها والتهمت أفواه الورودِ التي تفتحت للتوِّ
خمسونَ ألفاً يحفرونَ على حجَرِ الليلِ أسماءهم
فيلتفُّ الموتُ على أصابعهم كمشنقة
يقذفونَ سقفَ التاريخِ بضوئهم
فيهوي على رؤوسهم
والموتُ في كلِّ شيءٍ
لكنهُ لا يجيء
قدميْ على حبلٍ يفضيْ إلى جهةٍ مجهولة
والقدمُ الأخرى في الهاوية
أخي الأصغرُ ينظرُ كالقمرِ المكسورِ
نصفُ قلبيْ بينَ عينيهِ
ونصفهُ في ساحة الحرية
حمصُ قطعةٌ من جهنم
يدي تغلقُ بابَ البيتِ الذي عدتُ إليهِ لتوِّيْ
ويدي الأخرى وسطَ المجزرة
رائحةُ البارودِ تقتربْ
والموتُ كالدمِ في كل شيءٍ
لكنهُ لا يجيء!
صباحاً..
تفاصيلُ الحياةِ أولُ أمطارِ أيلولَ
يلتقطُ الناسُ النهارَ كما تلتقطُ العصافيرُ الحَبَّ
لا يفتحونَ أفواههم إلا ليغنوا أغانيْ نسوها
فيغلقوا فمَ البندقية
كتبَتِ الريحُ بالزجاجِ المحطَّمِ شيئاً لم أفهمهُ وقتها
والآن بعدَ عامينِ
في هذا المنفى الذي صارَ صوتيْ بهِ دونَ صوتْ
تحفرُ الريحُ في حُطَامِ فميْ:
الحياةُ حياةٌ معَ الموتِ
أما بعيداً عن الموتِ: موتْ
باريس
‘ شاعر من سورية