الموضوع ٢١-٤ عبقرية البالغين 3من اصل12
الفارق الجلي بين الخبراء والمبتدئين هو أن إدراك الخبراء للمفاهيم يشكل استيعابهم للمعلومات الجديدة: فيمكنهم من رؤية الأنماط أو العلاقات أو الاختلافات
التي لا تظهر للمبتدئين. لا يجب بالضرورة أن يمتلكوا ذاكرات أفضل من غيرهم إلا أن إدراكهم المفاهيمي يُمكنهم من استخراج مستوى ما من المعنى من
المعلومات الذي لا يمكن للمبتدئين رؤيته وهذا يساعدهم على اختيار المعلومات ذات الصلة وتذكرها.
عندما كنت أقود سيارتي في شوارع “مانهاتن” مؤخرًا صُعقت عندما رأيت سائق سيارة أجرة يقفز بها من حارة إلى حارة من أجل اللحاق بالموعد النهائي لمن يركب
معه. فكرت في الأمر وفي كيف أن سائق سيارة الأجرة هذا قد “قطَّع” الكثير من أنماط وقوف السيارات داخل عقله وكل جزء من هذه التراكيب التي يواجهها كان
مألوفًا لدرجة أنه حدد على الفور المعايير المناسبة لتخطيها ونفذها – يشبه الأمر كثيرًا جراح الأعصاب المدرب جيدًا الذي يمكن أن يصبح سريعًا وجريئًا بل ومبدعًا
في أثناء المناورات التي يجريها داخل المخ والتي يضطر الجراح الأقل مهارة أن يقوم بها خطوة بخطوة. كما يقول “دي جروت” (١٩٦٥ صفحتا ٣٣-٣٤):
إننا نعلم أن زيادة الخبرة والمعرفة في مجال بعينه… تمتلك تأثيرًا على الأمور… فبعد أن كانت في مراحل سابقة واجبة التلخيص أو حتى التخمين تصبح معروفة
دون جهد كبير في المراحل التالية وعلى نطاق أوسع يتم استبدال الإدراك بالتخمين… ونتيجة لهذا الاستبدال لا يعد ما يُطلق عليه موقفًا “مفترضًا” مفترضًا
لأنه يُرى من منظور آخر بواسطة أحد الخبراء بدلًا من أن يراه شخص غير متمرس.
كتب “جلادويل” أن “واين جريتزكي” “أعظم مقطعي رياضة الهوكي” يلعب بطريقة تختلف عن أغلب المهاجمين الآخرين حيث يتوجه لاعبو الهوكي ذوو
المستوى فوق المتوسط نحو مرمى الخصم ويجعلون من هجومهم مسألة مواجهة مباشرة بينهم وبين حارس المرمى. أما “جريتزكي” فعلى النقيض يتراجع ويدع
أغلب الأمور تحدث في المسافة التي بينه وبين حارس المرمى.