الناقدة الأكاديمية آمنة يوسف.. اليمن ما زال في مرحلة الجهود الفردية إبداعا ونقدا
صنعاء « القدس العربي» من أحمد الأغبري: تُعدّ آمنة يوسف (1966) من أبرز النُقاد الأكاديميين اليمنيين، كما أنها شاعرة وقاصة، وصدر لها عدد من الدواوين والمجاميع وعديد من المؤلفات النقدية في مجال السرد، وتعمل أستاذا في جامعة صنعاء، وشاركت في تحكيم عددٍ من الجوائز الأدبية آخرها لجان تحكيم الدورة الثانية لجائزة «كتارا» 2016، كما كُرّمت في شباط/ فبراير الماضي، في الخرطوم، بفوزها بالمركز الثالث عن «فئة النقد» في الدورة الثامنة لجائزة «الطيب صالح»، عن دراستها «سيميائية المكان في رواية أولاد الغيتو- اسمي آدم» لإلياس خوري. هنا حوار «القدس العربي» معها عن الفوز والجائزة والنقد والسرد في اليمن:
■ هل كنتِ تتوقعين الفوز، وكيف تلقيت الخبر، وأنت تعيشين تحت القصف؟
□ لم يكن يعنيني الفوز على الرغم من ثقتي بمستوى تجربتي وبالدراسة التي قدمتها. أعلم أن لجنة الجائزة يجرون اتصالا بالفائز قبل أسبوعين من موعد الحفل، ولم يحصل ذلك، لكن وبعد أن أزف الموعد فوجئتُ باتصال يوم السبت يخبرونني بالترشيح وبموعد الاحتفال، فرتبت إجراءات السفر ووصلت في الموعد، وحضرت حفل التكريم، وشعرت بسعادة لم أشعر بها من قبل؛ لأنها أول جائزة أحصل عليها، علاوة على خصوصية الجائزة وارتباطها باسم روائي عالمي هو الطيب صالح.
■ جاء فوزك بعد عامٍ من فوز ناقد يمني عبد الحميد الحُسامي في فئة النقد في جائزة «كتارا»؛ كيف ترين هذا الإنجاز خلال فترة حرب في بلدك؟
□ يمثل هذان الفوزان شهادة على مدى إصرار الناقد اليمني على العمل الخلاق. هذان الفوزان يقولان إننا نستطيع أن نُنتج أعمالا واقعة في سياق السلم لا الحرب، كما يعني ذلك إننا مع السلام ضد الحرب. ما يُشاع عن اليمن في الإعلام فيه الكثير من القُبح والكثير من الظلم والإجحاف، لأن اليمن ليست كذلك، هي بلد ثقافة وسلام وإبداع وجمال وإنسان خلاق. نحن في اليمن نحمل غصن السلام، وهنا المغايرة في أن تأتي بقلمك لتقول للعالم إنك حامل مشعل النور لا مشعل الحرب.
النقد الانطباعي
■ على صعيد آخر؛ هل فوز النقد اليمني هو دليل على فاعليته في المشهد اليمني؟
□ دليل على فرادة الجهد فقط. اعترف لك أن الجهد النقدي في اليمن هو جهد فردي. النقد في اليمن متعثر إلى حد ما؛ ليس بسبب كسل وإنما بسبب كثرة وغلبة النقد الانطباعي.
■ لكن ما تصفينه بالنقد الانطباعي يمارسه أكاديميون أيضا، وللأسف معظم نقدهم نجده قائما على مصالح وعلاقات؟
□ نعم؛ بينما ينبغي أن يكون النقد نزيها من أي مصالح ومن أي انطباعية ومن كل الآراء الذاتية التي لا تتبع مدرسة أو نظرية نقدية، لكن هذا التعثر النقدي في اليمن هو نسبي، بل بالعكس ففي الفترة الأخيرة ظهر نقاد أكاديميون يمنيون ويكتبون بشكل متميز؛ لكنهم لا يصدرون كتبا بكثرة أو بعيدون عن تناول النص اليمني.
■ لكن يلاحظ أن دراستك الفائزة بالجائزة وكذلك دراسة الحُسامي الفائزة ب «كتارا» كانتا بعيدتين عن النص اليمني أيضا؟
□ نعم؛ لكن أنا قبل ذلك، وفي عام 2016، أصدرت كتاب «سينمائيات النص القصصي اليمني»، وأطلعتُ على الكثير من النصوص اليمنية، وكتبتُ عنها، لكني لا أغطي كل الأدب اليمني؛ لأنني لا أريد أن أحصر نفسي في المحلية، أريد أن أتناول النص اليمنيّ وغير اليمنيّ. وحكاية دراستي الفائزة هي أن رواية «أولاد الغيتو- اسمي آدم» أغرتني، فمستواها التقني عال جدا، ونحن في اليمن لم نصل لمستوى هذه النصوص. كما أن الرواية فائزة بجائزة «كتارا» عام 2016، وأنا كنتُ مُحكّمة فيها، وأعطيت الرواية نسبة 99 في المئة، وقد فازت وأدهشتني، وفضلتُ أن أكتبُ عنها، ولم أكن أنوي المشاركة بها بمسابقة، وعندما وجدتُ بالمصادفة أن هناك مسابقة باسم الطيب صالح ويطلبون دراسات في أدب المكان، وأنا كنتُ صنفت الرواية أدب مكان؛ فكانت الفرصة مواتية لأن أقدّمها للمسابقة.
جهود فردية
■ هل يمكن الحديث عن حركة نقدية يمنية؟
□ توجد حركة نقدية تنقسم إلى قسمين: حركة نقدية قديمة لكنها انطباعية اقتصرت على الأدباء والمثقفين ممن أحترم أقلامهم، لكنهم ليسوا نقادا أكاديميين بل انطباعيون. لكنهم اجتهدوا. لكن بعد فترة ظهر أكاديميون لا أقول عنهم نقادا؛ لأنهم لم ينقدوا كثيرا، وبعضهم اقتصر على دراسة الماجستير والدكتوراة، وبعضهم مارس النقد بشكل فردي، مع التحفظ على مصطلح الحركة النقدية الذي يعني مدرسة نقدية أو جماعة في حين أننا في اليمن لا توجد لدينا حركة نقدية بل جهود فردية محدودة.
■ وبما تفسرين غياب فاعلية الناقد الأكاديمي مقابل حضور الناقد غير الأكاديمي؟
□ النقاد الأكاديميون ربما مشغولون بالحصول على الشهادة العلمية والترقية. ما أريد أن أتحدث عنه ونحتاجه هو أنه لا بد أن تكون هناك معايير في النقد ومسؤولية ومنهج تحترمه أوساط النقد في المدرسة النقدية العربية والعالم. لكن النقد اليمني ما زال في البدايات. ربما الجودة تأتي فيما بعد.
ونحن هنا لا نحاسب النقد الانطباعي، كما أن هناك قصورا عند الناقد الأكاديمي؛ وقد غطى هذا القصور النقد الانطباعي الذي لا نعترض عليه بقدر ما نسجل حوله ملاحظتنا التي تقول إن سبب عدم إيماننا بالنقد الانطباعي هو لأنه تنقصه المنهجية والنظرية الأدبية التي خلط بينها كثير من النقاد الانطباعيين، مع الأخذ في الاعتبار ما قدّمه النقد الانطباعي من كتابات سدت الفراغ النقدي الذي كان قائما.
زخم ابداعي
■ وكيف تنظرين لإشكالية غياب مواكبة نقدية يمنيّة لزخم الإبداع المتواتر محليا؟
□ يشهد اليمن زخما في العطاء الإبداعي، وللأسف لم يغطه النقد. يشهد اليمن منذ ستينيات القرن الماضي ثورة في الأدب؛ فهناك إبداع حديث وحداثي نقرأه في المقالح والبردوني ومحمد الشرفي ومحمد عبد الولي وشوقي شفيق ومحمد حسين هيثم… مجموعات كبيرة شكّلت تيارات أدبية توزاي ما حققته التيارات والمذاهب في الوطن العربي؛ لكن لم يغطها النقد؛ لأن النقد اليمني قاصر؛ وإن كانت هناك جهود فردية قمنا بها وقام بها زملاء آخرون، لكن ليست بالحجم الذي يستوعب هذا الكم الهائل من التيارات الأدبية الحديثة والحداثية التي ظهرت في اليمن، والتي لا تقل مستوى عما ظهر في العالم العربي.
■ لكن هذا الواقع كرّس مشاكل عديدة في النتاج الإبداعي في ظل عدم وجود تقويم ومراجعة نقدية مواكبة…فشاعت السرقات الأدبية والكتابة بأسماء آخرين لأهداف سياسية وغيرها…الخ؟
□ نعم فالأدباء يبحثون عمن يأخذ بأيديهم؛ لأن أعمالهم تحتاج لتقويم ومحاسبة، ولدينا أزمة نقد؛ لأنه لا يوجد محاسبة من نقاد مسؤولين يقولون لهم قفوا، وهذا خطأ، وهذه سرقة، وهذا توظيف غير إنساني وغير وطني تم فيه وضع النص في غير مكانه. نحن في زمن الإبداع والحداثة ومواكبة أشهر ما وصلت إليه الأعمال الإبداعية في الوطن العربي وفي العالم كله.
السرد اليمنيّ
■ وإلام يعود وجود تجارب يمنية نقدية متميزة مع وجود أزمة نقدية قائمة؟
□ السبب في ذلك هو أننا لم نشكل تيارا نقديا في اليمن. التيار النقدي يحتاج إلى جهود جماعية فيما ما زالت جهودنا فردية، وإن كان هناك نقاد كبار أسسوا للنقد؛ لكن تظل جهودهم فردية، وحتى الجهود الفردية يفترض أن تخلق تنافس لكنها بقيت معزولة عن بعضها وعن مواكبة الزخم الإبداعي اليمنيّ.
■ من واقع تخصصك النقدي؛ كيف ترين الإنتاج السردي في اليمن في العقدين الأخيرين؟
□ من الناحية الإبداعية فالسرد اليمني ممتاز؛ لكنه ما زال عبارة عن جهود فردية أيضا. ممكن نتحدث عن وجدي الأهدل والغربي عمران وغيرهما، فهؤلاء يكتبون كتابات توازي ما يكتبه العرب، ويتابعون بشغف. الأديب المبدع المثقف خير من الأديب المبدع غير المثقف الذي يعتمد على ملكته فقط. ما زلنا يمنيا في مرحلة الجهود الفردية إبداعا ونقدا. على صعيد الرواية اليمنية لم تتبلور بعد مدرسة روائية يمنية تُشكِل حركة. بمعنى أنه لا يمكن الحديث عن حركة نقدية أو حركة أدبية في اليمن حتى الآن. نحن متأخرون كثيرا، لكن لعل الجهود الفردية ستتطور مستقبلا إلى مدرسة يمنيّة في الأدب والنقد وهذا ما نأمله.