النفط عند أعلى مستوى في 17 شهرا .. ارتفع 25 % منذ نوفمبر
اتجهت أسعار النفط أمس إلى الارتفاع للجلسة الرابعة على التوالي مقتربة من مستويات الذروة التي سجلتها في منتصف عام 2015 في الوقت الذي تترقب فيه السوق مؤشرات الخفض المزمع في الإنتاج في منظمة البلدان المصدرة للبترول “أوبك” مع بداية العام الجديد.
ومن المعروف أن الاتفاق يتم بالمشاركة بين دول أوبك والمنتجين المستقلين حيث تتحمل المنظمة 1.2 مليون برميل يوميا فيما يقوم المستقلون بخفض إنتاجهم بنحو 558 ألف برميل يوميا وتتحمل روسيا منها 300 ألف برميل يوميا.
ولا تزال حالة الهدوء تسيطر على الأسواق بسبب عطلات العام الجديد، فيما تنحسر المخاوف بشأن احتمال خرق المنتجين اتفاق خفض الإنتاج، وذلك في ضوء تأكيدات من جميع المنتجين الالتزام بحصص خفض الإنتاج، وفي ضوء القناعة بضرورة التعاون لمساعدة السوق على استعادة التوازن وانتعاش الأسعار مجددا.
وعكست حالة التفاؤل في الأسواق تصريحات أويليخيو ديل بينو وزير النفط الفنزويلي الذي أكد فيها ثقته بنجاح الاتفاق وقدرته على تحقيق التوازن بين العرض والطلب، بما سيتيح استقرار أسعار النفط الخام حول مستوى ما بين 60 و70 دولارا للبرميل خلال العام المقبل.
وفي سياق متصل، أكدت ل “الاقتصادية”، مصادر في منظمة الدول المصدرة للبترول “أوبك”، أن الاتفاقين الأخيرين اللذين تم التوصل إليهما في فيينا يومي 30 نوفمبر و10 ديسمبر من العام الجاري كانا بمنزلة تنبيه للعالم وللاقتصاد الدولي أن “أوبك” لا تزال تلعب دورا مهما في استقرار أسواق النفط العالمية.
ونوهت المصادر إلى أن “أوبك” – بعد التوافق على خفض الإنتاج – أثبتت أنها قوية وفاعلة وقادرة على مزيد من العطاء وتتمتع بتأثير قوي وثبت عمليا خطأ المشككين في دور المنظمة بعدما عادت “أوبك” بقوة وفاعلية إلى ضبط أداء السوق، حيث تعمل على الدفع في اتجاه توازن العرض والطب من خلال الاتفاق الجديد لخفض الإنتاج.
وأوضحت المصادر أن انتعاش النفط الصخري الأمريكي المتوقع بعد تعافي الأسعار – جراء بدء تطبيق اتفاق خفض الإنتاج – لا يقلق منظمة أوبك التي تمد يد التعاون إلى كافة اللاعبين في سوق النفط الخام.
وبحسب المصادر فإن المنظمة نجحت في تحقيق التوافق والتنسيق مع أكبر منتج خارج “أوبك” وهو روسيا، وكان نتيجة ذلك المساهمة الإيجابية الواسعة لروسيا في اتفاق خفض الإنتاج الذي شمل المنتجين المستقلين لأول مرة منذ 15 عاما، كما أن “أوبك” تولي اهتماما خاصا للهند والصين باعتبارهما أكبر أسواق الاستهلاك في العالم وترتبط معهما ببرامج حوار فعالة ومتطورة.
وأضافت المصادر أن “السوق الأمريكية تدخل بشكل رئيسي في حسابات “أوبك” على الرغم من محاولاتها زيادة الإنتاج للاكتفاء ذاتيا، لكن الواقع العملى يؤكد أن الولايات المتحدة ستظل مستوردا كبيرا للنفط الخام بنحو ثمانية ملايين برميل يوميا”، مشيرة إلى أنه في هذا الإطار جاءت زيارة الأمين العام محمد باركيندو للولايات المتحدة قبل أسابيع قليلة انطلاقا من القناعة بأهمية الولايات المتحدة كواحدة من أكبر مستهلكي النفط والغاز في العالم، ما يجعلها تحتل أهمية خاصة لدول “أوبك” باعتبار أن العلاقات التجارية النفطية بين الجانبين طويلة الأمد.
وأشارت المصادر إلى قناعة “أوبك” بأهمية التعزيز المتواصل لبرامج الحوار والتعاون مع الولايات المتحدة لأن العلاقات في سوق النفط خاصة بين كبار المنتجين والمستهلكين تقوم على الحوار والتعاون لأن العمل الفردي سيقود إلى خسائر فادحة، بينما العمل الجماعي والتنسيق المشترك سيقود إلى مكاسب حقيقية واسعة لكافة الأطراف وللصناعة بشكل عام. من جانبه، قال ل “الاقتصادية”، الدكتور آمبرجيو فاسولي مدير مركز دراسات الطاقة في مدينة لوزان، “إن توقعات “أوبك” تشير إلى ارتفاع مستوى الطلب على نفط دول المنظمة إلى 33 مليون برميل يوميا وذلك في الوقت الذي من المتوقع أن ينجح اتفاق خفض الإنتاج في الإبقاء على إنتاج دول المنظمة عند 3.52 مليون برميل يوميا، وهو ما يعني الطلب على أن نفط المنظمة سيكون أكثر من المعروض بنحو 500 ألف برميل يوميا وهو ما سيعزز نمو الأسعار إلى المستويات الملائمة لإنعاش الاستثمارات، كما أن اتهام البعض “أوبك” بالتسبب في فائض المعروض سيكون بعيدا عن الواقع في العام الجديد في ضوء تنامي الطلب”.
وأضاف فاسولي أن “تخمة المخزونات ستتراجع دون شك مقارنة بالعام الحالي، لكن القضاء الكامل على فائض المخزونات لن يتحقق بسرعة لكن بشكل تدريجي”، مشيرا إلى أن المخزونات في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تصل إلى 329 مليون برميل في أعلى معدل على مستوى السنوات الخمس الماضية وهو ما يغطي استهلاك الدول الصناعية في نحو 65 يوما.
وأشار فاسولي إلى أن الطلب سيشهد نموا جيدا في عام 2017 بفعل تسارع معدلات النمو في الاقتصاديات الناشئة خاصة في وسط آسيا إلى جانب زيادة الطلب على البتروكيماويات، إلا أن الطلب قد يتعرض لبعض الضغوط السلبية بسبب ارتفاع معدلات الكفاءة في استهلاك الطاقة ورفع الدعم عن الوقود في بعض الدول ما يقلل حجم الاستهلاك.
إلى ذلك، أوضح ل “الاقتصادية”، فرانك يوكنهوفر مدير مشاريع سيمنز في بلجيكا وهولندا، أن مصلحة جميع الدول المشاركة في اتفاق خفض الإنتاج هي إنجاح الاتفاق من خلال الالتزام الكامل ببرنامج تنفيذه وبتوزيع الحصص الذي تم الاتفاق بشأنه لأن الجميع عانى ضعف الاقتصاديات بعد انهيار الأسعار على مدى العامين الماضيين وبالتالي لا بديل عن الالتزام الكامل بالاتفاق لمساعدة السوق على التعافي واستعادة التوازن المنشود.
واعتبر يوكنهوفر أنه لولا الدور السعودي القيادي الذي اتسم بمرونة عالية وتقديم بعض التضحيات ما تحقق اتفاق خفض الإنتاج، كما أن نجاحها في التقارب والتنسيق مع روسيا وهما معا أكبر دولتين منتجتين للنفط أسهم بشكل أساسي في الوصول إلى الاتفاق وتشجيع عديد من الدول الأخرى على الانضمام إلى الاتفاق ومساندة نجاحه.
من ناحيته، قال ل “الاقتصادية”، إيفيليو ستايلوف المستشار الاقتصادي البلغاري في فيينا، “إن التقارير الاقتصادية الدولية تشير إلى أن فائض المعروض النفطي سيتراجع بنحو 25 في المائة بحلول نيسان (أبريل) المقبل، وهو ما سيؤدي إلى انتعاش الأسعار متجاوزة 60 دولارا للبرميل، وذلك في ضوء توقع التزام كامل من الدول ال 22 المشاركة في اتفاق خفض الإنتاج سواء داخل “أوبك” أو خارجها”.
وقال ستايلوف “إن عديدا من الدول المنتجة للنفط كانت قد شهدت تراجعات في معدلات النمو بسبب انهيار الأسعار في العامين الأخيرين ووصلت نسبة التراجع في المتوسط نحو 1 في المائة”، مشيرا إلى أن اتفاق خفض الإنتاج لن يصب في مصلحة طرف دون آخر، لكنها بمثابة نجاح لكل دول الإنتاج وللاقتصاد العالمي بشكل أشمل. من ناحية أخرى فيما يخص الأسعار، فقد ارتفعت أسعار النفط أمس للجلسة الرابعة على التوالي مقتربة من مستويات الذروة التي سجلتها في منتصف عام 2015 في الوقت الذي تترقب فيه السوق مؤشرات الخفض المزمع في الإنتاج في منظمة البلدان المصدرة للبترول “أوبك” مع بداية العام الجديد.
وبحسب “رويترز”، فقد جرى تداول خام القياس العالمي مزيج برنت في العقود الآجلة بارتفاع قدره 12 سنتا إلى 56.21 دولار للبرميل، ووصل “برنت” إلى 57.89 دولار للبرميل في 12 كانون الأول (ديسمبر) وهو أعلى مستوى منذ تموز (يوليو) 2015.
وزاد خام غرب تكساس الوسيط الأمريكي بواقع سبعة سنتات إلى 53.97 دولار للبرميل مقتربا من أعلى مستوى هذا العام الذي بلغ 54.51 دولار للبرميل في 12 كانون الأول (ديسمبر).
وزادت أسعار النفط 25 في المائة منذ منتصف تشرين الثاني (نوفمبر) بدعم من توقعات خفض إنتاج “أوبك” وبيانات اقتصادية أمريكية قوية عززت أيضا أسعار الأسهم.
ومن المتوقع أن تظل التعاملات هزيلة هذا الأسبوع قبل عطلة بداية العام الجديد، وتترقب السوق البداية الرسمية لتنفيذ الاتفاق التاريخي بين “أوبك” وعدد من المنتجين المستقلين بشأن تقليص الإنتاج، ومن المقرر أن يبدأ تنفيذ الاتفاق في اليوم الأول من العام الجديد.