النفط يهبط قرب 50 دولارا بفعل زيادة الإنتاج ومخاوف اقتصادية
مالت أسعار النفط الخام أمس إلى التراجع النسبى على أثر استقرار الإمدادات نتيجة وقف إطلاق النار في نيجيريا وتعافى الإنتاج الكندي بعد السيطرة على حرائق الغابات فيما لا تزال تداعيات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي تلقي بظلال قوية نحو التأثير السلبي في الأسواق.
ولم يفلح تراجع المخزونات في دعم أسعار النفط بسبب تأثير العوامل السابقة التي أضعفت الأسعار خاصة مع استمرار غموض المشهد الاقتصادي بشأن آلية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي علاوة على بعض التوقعات السلبية لمستقبل النمو الاقتصادي العالمي.
وفي المقابل، تترقب الأسواق نتائج المحادثات التي تجرى حاليا في محاولة لاحتواء إضرابات عمالية واسعة في سبعة حقول بحرية في النرويج وهي تهدد – في حال اندلاعها – بتراجع في الإنتاج بنحو 229 ألف برميل يوميا وهو ما يمثل 6 في المائة من إنتاج النرويج وفي حالة تنفيذه اعتبارا من الغد يتوقع أن يقود لمزيد من التوتر في الأسواق.
يأتي ذلك فيما قامت السعودية بزيادة صادراتها إلى آسيا في ضوء تنامي الطلب على الخام العربي الخفيف فائق الجودة ما عزز المنافسة على الحصص السوقية مع روسيا وإيران، إلا أن النفط السعودي الخفيف ما زال متمتعا بالتفوق والرسوخ في الأسواق الآسيوية.
ويقول ل “الاقتصادية”، هاري بركلمانس مدير تكنولوجيا المشروعات في عملاق الطاقة العالمي “رويال داتش شل”، إن شركته ستعلن نتائج الربع الثاني يوم 28 من الشهر الجاري وسيتضمن التقرير ربع السنوي الكثير من الإنجازات وبرامج العمل خاصة فيما يتعلق برفع مستوى الكفاءة وزيادة الربحية.
وأشار بركلمانس إلى أن “شل” تمكنت هذا العام من تحقيق وفورات مالية بنحو 60 مليون دولار بالتوسع في برامج رفع الكفاءة وتحسين استخدام الأصول وتطوير الخدمات اللوجستية خاصة في مشاريع الطاقة البحرية في خليج المكسيك.
وذكر بركلمانس أن منظومة إمدادات الطاقة شهدت تحولات كبيرة في السنوات الأخيرة وهو ما يتطلب من الشركات العمل على تحقيق المزيد من القيمة في إنتاج الطاقة، إضافة إلى تحسين إدارة الطلب وتبسيط المواصفات والتفاوض بشكل مرن بشأن خفض الأسعار ما يؤدي إلى تحقيق وفورات مالية ونتائج اقتصادية أفضل.
ونوه بركلمانس إلى ضرورة زيادة تفعيل الاتفاقات الإطارية بين كل أطراف الصناعة ما يعود بالفائدة على الجميع ويؤدي إلى رواج العملية الإنتاجية، مشيرا إلى أن العام الماضي شهد تنفيذ “شل” عددا من المشاريع الكبيرة التي تقوم على نهج الإنتاج المتكامل والمتطور خاصة زيادة التنافسية ودعم الكفاءة والتكنولوجيا ما أدى إلى نتائج إيجابية جيدة للشركة.
وأشار بركلمانس إلى أن مشروع إنتاج الطاقة من المياه العميقة “أبوماتوكس” في خليج المكسيك هو مثال جيد على تطبيق المعايير المتطورة للإنتاج حيث نجحنا في خفض التكلفة الإجمالية المقدرة للمشروع – في مراحل الإعداد الأولى – بنسبة 20 في المائة.
من ناحيته، أوضح ل “الاقتصادية”، إيفيليو ستايلوف المستشار الاقتصادى البلغاري في فيينا، أن أسعار النفط مالت إلى الانخفاض بسبب انحسار المخاوف من تقلص الإمدادات نسبيا خاصة بعد وقف الاعتداءات على المنشآت النفطية في نيجيريا ونجاح الحكومة الكندية في تجاوز تداعيات حرائق الغابات التي أدت سابقا إلى تعطل واسع في امدادات النفط الرملي الكندي.
وأشار ستايلوف إلى أن السوق ما زالت غير مستقرة وتشهد تقلبات عديدة على مدار تعاملات الأسبوع، وما يعزز هذه الحالة عدم وضوح الرؤية حول آلية تخارج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وهو ما مثل صفعة قوية لجهود التعاون والتكامل الأوروبي التي نفذت على مدار عدة عقود مضت.
وأضاف ستايلوف أن صناعة النفط الخام ربما تكون في واحدة من أسوأ حالاتها في أغلب دول الإنتاج في مختلف دول العالم ولذا من المهم العمل حثيثا على احتواء الإضرابات العمالية التي يمكن أن تفاقم أوجاع الصناعة وترسخ لحالة من عدم الاستقرار ما ينعكس سلبا على فرص النمو للصناعة، ومن هنا يجب دعم الجهود والمفاوضات للحيلولة دون تنفيذ إضراب عمال النرويج المقرر بدء تنفيذه غدا مع العمل على دراسة الأسباب جيدا لمنع تحول هذا الأمر إلى ظاهرة متكررة وموجعة للسوق.
من جهته، قال ل “الاقتصادية”، الدكتور آمبرجيو فاسولي مدير مركز دراسات الطاقة في مدينة لوزان السويسرية، إن الاستحوذات والاندماجات قد تكون إحدى الآليات المهمة والمؤثرة للتغلب على الصعوبات الحالية في سوق الطاقة خاصة غياب الاستقرار وتقلبات الأسعار.
وأضاف فاسولي أن الاستحواذ الناجح من “شل” على “بي جي” أسهم في تكوين كيان اقتصادي أقوى وتحقيق وفورات ورفع معدلات الكفاءة، ووجدنا في المنطقة العربية تجارب مماثلة حيث أعلن أخيرا في أبوظبي عن اندماج شركتين مهمتين للبترول هما “إيبيك” و”مبادلة” بهدف تحقيق التكامل ورفع معدلات النمو وزيادة العائد الاقتصادي وتعزيز فرص الاستثمار.
وأشار فاسولي إلى أن وضع السوق حاليا يتطلب زيادة الكيانات القوية والضخمة والأقدر على التعامل مع التقلبات المستمرة والتحديات المتوالية التي قد ترهق الكثير من الشركات وأدت بالفعل إلى إفلاس عديد من الشركات المتوسطة في الولايات المتحدة خاصة من منتجي النفط الصخري.
ونوه فاسولي إلى أهمية العمل على تقليل التداعيات السلبية من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والحيلولة دون انضمام أخرى لفكرة الخروج خاصة أن ضغوط الأزمة الاقتصادية في أوروبا تتصاعد بسبب ديون اليونان والبرتغال.
من ناحية أخرى، وفيما يخص الأسعار، هبطت أسعار النفط مقتربة من 50 دولارا للبرميل أمس بفعل الضغوط الناتجة عن زيادة إنتاج نيجيريا والمخاوف بشأن التوقعات الاقتصادية في أعقاب تصويت بريطانيا لمصلحة الخروج من الاتحاد الأوروبي الأسبوع الماضي.
وقال بنك جولدمان ساكس إن عودة الإنتاج النيجيري ستفرض ضغوطا على الأسعار، مضيفا أن توقف بعض الإنتاج نتيجة حرائق الغابات في كندا من المفترض أن ينتهي في أيلول (سبتمبر)، غير أن الإنتاج النرويجي قد يكون مهددا بسبب إضراب محتمل للعمال.
وبحسب “رويترز”، فقد جرى تداول خام القياس العالمي مزيج برنت بانخفاض قدره 48 سنتا إلى 50.13 دولار للبرميل بعد صعوده في الجلستين السابقتين، وانخفض الخام الأمريكي بواقع 48 سنتا أيضا إلى 49.40 دولار للبرميل.
وصعد خام برنت 85 في المائة منذ وصوله لأدنى مستوى في 12 عاما في كانون الثاني (يناير) بدعم من توقعات بأن تخمة المعروض التي تضغط على الأسعار منذ عام 2014 ستبدأ في الانفراج، إضافة إلى تقلص الإنتاج في كندا ونيجيريا بشكل غير مخطط له.
واعتبر محلون أن عودة بعض إنتاج النفط ومخاوف تباطؤ الاقتصاد إلى جانب استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ستؤثر في الأسعار في المدى القريب، وفيما يتعلق بالإنتاج قالت شركة النفط الحكومية النيجيرية إن البلاد رفعت إنتاجها إلى نحو 1.9 مليون برميل يوميا من 1.6 مليون برميل بسبب الإصلاحات وعدم حدوث هجمات كبيرة على خطوط الأنابيب في منطقة دلتا النيجر.
وفي النرويج، ذكرت رابطة صناعة النفط والغاز إن شركات النفط والاتحادات العمالية بدأت محادثات مدتها يومان بشأن الأجور في محاولة لتجنب حدوث إضراب سيؤدي مبدئيا لخفض إنتاج البلاد من النفط والغاز بنسبة 6 في المائة.
إلى ذلك، أظهرت بيانات من إدارة معلومات الطاقة الأمريكية أن مخزونات النفط الخام في الولايات المتحدة تراجعت بشدة في الأسبوع الماضي في حين ارتفعت مخزونات البنزين بشكل غير متوقع وانخفضت مخزونات المقطرات.
وهبطت مخزونات الخام بمقدار 4.1 مليون برميل في الأسبوع الذي انتهى في 24 من حزيران (يونيو) لتنخفض للأسبوع السادس على التوالي. كانت توقعات المحللين تشير إلى انخفاض قدره 2.4 مليون برميل.
وقالت إدارة معلومات الطاقة إن مخزونات الخام في مركز تسليم العقود الآجلة الأمريكية في كاشينج بولاية أوكلاهوما سجلت انخفاضا قدره 951 ألف برميل، وارتفع استهلاك المصافي 190 ألف برميل يوميا بينما ارتفع معدل تشغيل المصافي 1.7 نقطة مئوية بحسب البيانات.
وزادت مخزونات البنزين بواقع 1.4 مليون برميل في حين كانت توقعات المحللين تشير إلى ارتفاع 58 ألف برميل، وانخفضت مخزونات نواتج التقطير- التي تشمل الديزل وزيت التدفئة- بمقدار 1.8 مليون برميل مقارنة بتوقعات المحللين بارتفاع قدره 14 ألف برميل، وأظهرت البيانات أن واردات الولايات المتحدة من النفط الخام انخفضت الأسبوع الماضي بمقدار 993 ألف برميل يوميا.
من جانب آخر، قال التقرير اليومي لمنظمة الدول المصدرة للبترول “أوبك” إن سعر السلة التي تضم متوسطات أسعار 13 خاما من إنتاج الدول الأعضاء في المنظمة حقق ارتفاعا لليوم الثاني على التوالي، وأن السلة خسرت نحو دولار مقارنة بالسعر الذي سجلته في اليوم نفسه من الأسبوع السابق الذي بلغ 44.66 دولار للبرميل.