الورش الفنية لتحقيق حلم النجومية… سوق حرة «مفتوحة ع البحري»
القاهرة «القدس العربي» كمال القاضي: حلم النجومية الذي كان يراود الموهوبين وهواة التمثيل والإخراج والتأليف صار مشاعاً، فلم تعد الموهبة الفنية شرطاً للإبداع والشهرة، يكفي فقط أن تتقدم لواحدة من ورش تعليم مبادئ الفن، وتبدي استعداداً للدفع وتحمل تكلفة تجهيزك لتكون فناناً مشهوراً، حينئذ تكون قد ملكت الفرصة للمنافسة، هذه مجرد معطيات قليلة لأزمة كبيرة تطفو تفاصيلها الآن على السطح، بعد انتشار الورش الخاصة التي تغري الشباب بالتمثيل والأضواء، وتداعب رغباتهم وأحلامهم، بعد أن انقطعت بهم سبل التحقق في المجالات الأخرى، وبات العثور على فرصة عمل للشاب في تخصصه ضرباً من خيال، من هنا كان الانتشار حتمياً لمن يبيعون الوهم للحالمين بأغلى الأسعار، فلا يقل عن عشرين ورشة فنية تعلن عن استعدادها لتعليم الفن بكل مشاربه وفروعه في أقل من ثلاثة أشهر للراغبين على طريقة تعليم قيادة السيارات والسباحة والكاراتيه والكونغو فو.
وللدقة فإن هناك ورشة أو ورشتين كانتا قد بدأتا في مشروعهما الإبداعي المبتكر برغبة حقيقية وصادقة في تطوير الثقافة الفنية، وربطها بالأسس العلمية الصحيحة، ونجحت التجربة في استقطاب عدد كبير من الهواة المصريين والعرب، ويعود ذلك إلى قيام مجموعة من أساتذة الأكاديمية الفنية بالتدريس والإشراف على المشروع، ما فتح المجال لزيادة عدد الورش، إلى الحد الذي يمثل ظاهرة استثمارية وليست فنية، خاصة بعد أن عرف شباب الدول النفطية طريقهم إليها وتعلقوا بحلم النجومية والشهرة، فتحول المشروع الفني إلى مشروعات اقتصادية تدر ربحاً وفيراً، وتحصل فيها الرسوم بالجنية المصري والدولار، وتوفيراً للوقت والجهد تم ضغط المحاضرات وساعات التدريس، وأصبح بإمكان الطالب أن يحصل على شهادة باجتيازه كل الامتحانات والاختبارات، التي تثبت تأهيله تماماً للتمثيل أو الإخراج أو التصوير أو كتابة السيناريو، ولأن المشروع بالفعل مربح فقد توسع القائمون عليه بإضافة جميع التخصصات الفنية المتصلة بالعملية الإبداعية، فلم يعد التدريس مقصوراً على الفروع الرئيسية فقط .
وتعود فكرة الورش الفنية إلى فترة السبعينيات، حيث بدأت في المسرح بشكل مجاني لطلبة المعهد العالي للفنون المسرحية، فيما يشبه التدريب لمساعدتهم على الممارسة العملية بعد التخرج، وهو جزء من التأهيل المهني ليتسنى للطالب تحصيل الخبرات اللازمة كي يصبح متمكناً من أدائه، سواء كان ممثلاً أو مخرجاً أو كاتباً مسرحياً، أو مهندس ديكور، أو أي شيء من هذا القبيل، ولعل أهم من أدوا هذا الدور التعليمي تجاه تلاميذهم كان المخرج المسرحي نبيل الألفي، والفنان عرنوس وربما الفنان سعد أردش أيضا، وهؤلاء كانوا متطوعين في هذه الخدمة من أجل رسالة تعليمية وفنية ظلوا مؤمنين بها، ولأن المسرح المصري كان لا يزال يشهد نهضة ثقافية تنويرية متبقية من فترة الستينيات، فقد عنيت به الدولة بوصفة أداة وعي وتثقيف وتحضر، وبناء عليه جاءت فكرة الورش التدريبية للخريجين، ولم يكن يدور في خلد من أسس للفكرة أن تتحول مع الوقت إلى وسيلة للكسب السريع وأداة لمغازلة من لا يملكون قيراطاً من موهبة ويملكون قناطير من الأموال. تلك كانت محاولة لقراءة الظاهرة ومعرفة منشأها التاريخي وأصدائها العصرية، بعدما صارت تجارة علنية يروج لها محترفو البيزنس ومتعهدو توصيل شهادات التفوق والتميز للمنازل، وكله بثمنه لمن يدفع أكثر.
الورش الفنية لتحقيق حلم النجومية… سوق حرة «مفتوحة ع البحري»