اليمنيّ عبد الرحمن الغابري… فوتوغرافيا الإنسان والمكان
صنعاء «القدس العربي» من أحمد الأغبري: عبد الرحمن الغابري ليس مجرد مصور فوتوغرافي مُحترف له تاريخ ضوئي مع ثقافة الناس وحكاية يمنيّة مع جمال المكان، هو أيضا منحاز للحياة والحرية والعدالة والمساواة، فتتبع بكل أريحية، اللحظات الفريدة لخصوصية الطبيعة والمضامين المختلفة لإنسانية الحياة في بلاده، من خلال توثيق مشهدي لخصائص غير مرئية في العلائق الفريدة بين الإنسان والحياة من جهة، والإنسان وثقافته وبيئته المحلية من جهة أخرى، فجاءت لوحاته نصوصاً استنطقت بحرفية فوتوغرافية وحساسية ثقافية بعض ملامح الجمال البصري لبلاده عبر تجربة تنقل فيها بين ربوع مناطقه المختلفة، ليمثل مخزونه، اليوم، أكبر أرشيف فوتوغرافي لليمن، بل إنه يتجاوز ما كانت تمتلكه الدولة التي كانت في اليمن قبل الحرب المستعرة.
متن الحكاية
نظّم الغابري نحو ستين معرضاً داخل وخارج بلاده منذ سبعينيات القرن الماضي، واستطاع خلال تجربته التعامل مع عناصر عديدة للثقافة اليمنية. فنياَ، يتمتع هذا المصور بمهارة تطورت وتجذرت علاقتها بالكاميرا، علاقة لم تُخاصم العلم ولم تُجاف التطوير، فنجده فناناً ماهراً في التعامل مع أبعاد كادر الصورة وعمقها ومكوناتها والتحكم في مناسيب الضوء وحساسيته اللونية داخل الصورة، بما يتناسب مع خصوصية المنظر وطاقته الثقافية الإيحائية، ولعل تلك الطاقة الإيحائية التي يتيح لها التعبير على سطوح صوره، هي ما تعزز من خصوصية لوحاته التي تظهر ثقيلة الوزن، وإذا ما تجاوزنا احترافية علاقته بالعدسة نجده يتجاوز ذلك إلى رؤيته الفنية المتماهية برؤيته الثقافية، لاسيما في اختيار المنظر بذكاء ووعي فريدين يجعله، في كثير من الصور ذات العلاقة بالطبيعة والمكان، يمضي أوقاتاً تضطره للإقامة والمكوث ساعات، وأحياناً أياماً وليالي حتى تحين الفرصة المواتية لالتقاط الصورة التي يريدها من المكان، وفي الوقت الذي رأى فيه لغة الضوء والظل مناسبة لتقديم كشف جديد للمكان وتعبير عن فكرة كان وحده مَن يبحث عنها. وبعض تلك اللقطات كانت لأماكن ربما ما زال يتواتر التعامل معها فوتوغرافياً من عدسات أخرى، إلا أن ما قدّمه الغابري فيها ما زال مختلفاً وتتكرس قيمتها نصاً بصرياً ثقافياً لجمال المكان. ويبقى السؤال عن مصدر تلك الأحاسيس التي تفيض منها تلك الصور، هنا لا نجد غير تماهي المصور حباً بالمنظر، فجاءت الصورة مفعمة بإحساس إنساني حتى إن كان بعضها يخلو من عنصر إنساني مرئي.