اناقة الشعر
من الصعب ان انسى المرة الاولى التي التقيت فيها بالشاعر انسي الحاج. رغم انه كان لقاءً قصيرا الا انه بقي في مكان ما من وجداني وحرّضني أكثر على الكتابة. كان ذلك عام 1993 سنة واحدة بعد عودة ملحق النهار الثقافي الى الصدور بإدارة الروائي الياس خوري.
كنت قد عدت من قبرص حيث اقمت لمدة ثلاث سنوات بعيدة عن بيروت، وهناك بدأت بنشر القصة القصيرة في جريدة ‘الحياة’ وثم في ملحق النهار. كانت الكتابة ما زالت بالقلم وعلى ورقة بيضاء ولم يكن الكومبيوتر أليفا لنا بعد. أمر من الصعب أن أفسره الآن لإبنتي. وصلت قبل الظهر إلى مكتب الملحق لزيارة الياس خوري ولم أجده في مكتبه. أطلّ أنسي الحاج على باب المكتب من مكتبه المجاور يسألني ان كان بإمكانه مساعدتي ودعاني الى مكتبه. لم أكن قد التقيت بأنسي الحاج سابقا لكن وجهه كان بالنسبة لنا، نحن الذين بدأنا نتلمس بدايات النشر نثرا ام شعرا، أليفا وودودا ولم يكن يحتاج الى تعريف. أذكر الوان البني والنبيذي التي ميّزت ثيابه، فقط ياقة قميصه الزرقاء لوّنت خريف ملابسه. جلست وفي يدي القصة التي أتيت لأنشرها في الملحق. طلب قراءتها. ثم جلس امامي صامتا وراح يقرؤها.
أحببت انكبابه على القراءة، قراءة قصتي، وعلى عزلته في مكتبه ذلك النهار. بدا لي شاعرا حقا، شاعرا بعيدا عن العلاقات العامة التي امتهنها بعض الشعراء. كانت القصة تحكي عن امرأة ما زال هاجس الحرب يقلقها رغم انتهائها. كذلك ما زالت تعيش حبا رغم غياب من احبت. انها قصة عن الوهم الذي يساعدنا على تحمل وجودنا وحياتنا. كانت بعنوان ‘سوء تفاهم’. رفع أنسي الحاج رأسه وقال لي معلّقا أن الكتابة هي هكذا، تخرج من سوء تفاهم مع الواقع، وإذا انتهى سوء التفاهم هذا أتت الكتابة مسطحة ناعمة خالية من أي معنى، ثم تابع مبتسماً ‘كذلك الحب يولد دائما ويستمر بسبب سوء فهمنا للحبيب’.
‘ روائية لبنانية