انتقد في محاضرة له تهميش لغة الضاد وآدابها في التعليم المغربي.. محمد الأشعري.. انتماؤنا للعالم العربي عبر اللغة ليس انتماء عرقيا
الرباط «القدس العربي»: قال الأديب المغربي محمد الأشعري إن الخيال والوجدان المشترك الذي تربى لدينا جميعا في اللغة العربية هو الذي يجعل انتماءنا بديهيا للعالم العربي، ولكنه ليس انتماءً عرقيا بل انتماء حضارة وثقافة وأفق مشترك، موضحا أن كل تركيز على الطابع القومي لهذه العلاقة هو إضعاف لعلاقتنا بالعربية.
وفي محاضرة ألقاها الاثنين في المكتبة الوطنية للمملكة المغربية، بمناسبة «أسبوع اللغة العربية» الذي ينظمه «الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية»، اعتبر صاحب رواية «القوس والفراشة» أن «من يطالب بإلغاء العربية من مجال التدريس وإحلال العامية محلها، يطالب ببتر المغاربة من رباط مهم ليس مع اللغة المقدسة فقط، ولكنْ رباط مع التاريخ المشترك والآفاق المشتركة». وتابع قوله «علاقتنا بالعربية علاقة فلسفية، وليست علاقة عرقية كما يدّعي البعض».
واعتبر أن «تنازل المغاربة عن الفصحى سيجعلهم يفقدون الأفق الثقافي الذي صنعوه منذ قرون بواسطة النصوص الأدبية المشتركة والفكر المشترك». ومضى قائلا «العربية التي تربطني بالمصري والعراقي والفلسطيني واللبناني ليست عربية عرقية، ولكن عربية النصوص وعربية الفكر الذي كتب بهذه اللغة. وشدد على أن المجال الثقافي هو المختبر الحقيقي للدفاع عن العربية. وأوضح بقوله «أؤمن بأن تعليم العربية وتاريخها وآدابها هي مسألة أساسية، وهي غير موجودة الآن عندنا». مشيرا إلى إنه «لا مجال لتوسيع العربية وتوسيع تداولها إذا لم ندخل إلى هذا الأمر من مدخل الأدب»، فاللغة الإنكليزية قوية لأن وراءها قوة اقتصادية وعلمية ومعرفية وإعلامية، ولكن كل هذا ليس هو الذي يجعل منها وجدانا مشتركا لدى كثير من الناس، وإنما هو الأدب من شكسبير إلى اليوم، أي القدرة على تداول خيال مشترك وجمال مشترك وذاكرة مشتركة».
ونبه الأشعري إلى أن هناك خلطا مغرضا من أجل وضع اللغة العربية في زاوية ضيقة واعتبارها لغة قديمة وتراثية لا تساير العصر، والحال أنها لغة حديثة تتجدد باستمرار، مشددا على أن «هذا التصور الضيق تم ترسيخه منذ فترة الاستعمار الذي سعى إلى خلق أرض لغوية خلاء، وفصلها عن واقعها وبيئتها عن طريق خلق صراع لغوي بينها وبين اللغات المحلية الأخرى أو الأجنبية منها». وفي هذا الصدد، دعا المتحدث إلى تدريس العربية في كل أسلاك التعليم في المغرب ليس فقط من منطلق هوياتي وحضاري، بل من منطلق كونها إبداعا خلاقا ومخيالا مشتركا يربط حاضر المغرب بماضيه، معتبرا أن أهم تحد ينبغي كسبه هو الاستثمار في اللغة العربية والسعي لإقامة روابط وجدانية داخل مختلف الأسلاك التعليمية، حيث يمر ذلك أساسا عبر قرار سياسي ينخرط في بلورته كافة الفاعلين المعنيين بالشأن اللغوي والثقافي، حسب قوله.
على صعيد آخر، اعتبر محمد الأشعري أن النقاش حول اللغة العربية في المغرب حُشر دائما كنوع من الصراع المنظم مع الأمازيغية والعامية، مشيرا إلى أن «الواقع يؤكد أن العربية لم تكن أبدا في وضعية صراع أو تنافس معهما، وكانت هناك بالتأكيد سياسة لغوية في المغرب ظلمت الأمازيغية، لكنها ظلمت أيضا كل التعبيرات اللغوية المغربية لفائدة اللغة الأجنبية». وشدد على أن الصراع الحقيقي الوحيد هو الذي تواجه فيه اللغة العربية نظيرتها الفرنسية، مستدركا بالقول: «أقول هذا وأنا أدافع عن الحفاظ على مكانة متميزة للفرنسية في منظومتنا اللغوية من بين اللغات الأجنبية، وليس للهيمنة على اللغات الوطنية أو لمحوها من الوجود، كما حدث مع لغات أخرى خاصة بالقارة الإفريقية».
ولفت الانتباه إلى أن المغرب لم يتمكن بعد من إرساء حوار وطني حقيقي حول اللغة العربية في المنظومة التعليمية، والارتقاء بالآليات التعليمية المعتمدة، معتبرا أن تأجيل الخوض في الحوار أو تجاهله يؤثر على الجهود المفضية إلى النهوض باللغة العربية ودراستها في المدارس والجامعات والمعاهد العليا. وذكر أنه وجد خلال بحث له أن المناهج الدراسية في المغرب تكاد تخلو من تدريس النصوص الشعرية أو الإبداعات والروايات الكلاسيكية، وهو ما يجعل التلاميذ والطلبة غير قادرين على ربط علاقة قوية وجذابة مع لغة الضاد وآدابها، وفق تعبيره.
