انحلال الجموع الكبيرة وتحولها إلى زمر صغيرة في الوقت الحاضر1من اصل2
بعد أن تخلصت روح الفرد بالتدريج من سلطان الجمع أخذت في الزمن الحاضر تميل إلى الرجوع إلى ما كانت عليه حسب شكل غير منتظر لا على الشكل الذي يتخيله بعض رجال السياسة النظريين القائل بمساواة الناس في المعايش والأموال تحت ظل الحكومة؛ إذ ينمو بجانب نظريات الاشتراكيين زمر صغيرة يختلف بعضها عن بعض رأيا ومنفعة، ويسمى انحلال المجتمع وتحوله إلى تلك الزمر التي لا رابطة بينها “الحركة النقابية.” فالنقابية بدلا من أن تكون كالاشتراكية من أعمال النظريين البعيدين من حقائق
الأمور فإنها بنت مقتضيات الاقتصاد المهيمنة، يدل على ذلك شيوعها بأشكال مختلفة بين كثير من الأمم المتباينة بمزاجها النفسي، والفرق بين تلك الأشكال هو أن النقابية تكون في بعض البلدان ثورية، وفي البعض الآخر سلمية.وينشأ عن تطور الصناعة الذي أوجب تلك الحركة انقسام أوطان الوقت الحاضر الكبيرة على أوطان صغيرة لا تحترم سوى قوانينها الخاصة، مستخفة بقوانين المجتمع العام الذي يضمها، وما بين هذه الزمر الصغيرة المختلفة من اتحاد مؤقت فإنه يمنحها في الغالب قوة كافية لتنفيذ رغباتها. وتسهل مشاهدة نتائج تلك القوة، ولكن ليس من الهين تحقيق ذلك؛ كون اتحاد الزمر المذكورة لا يبقى زمنا طويلا ، فمتى ينحل المجتمع القديم انحلالا تاما ويتحول إلى زمر صغيرة فإن ما بين منافع هذه الزمر من تباين يقودها حتما إلى تنازع مستمر؛ ذلك لأن كل زمرة متجانسة ذات منافع وآراء واحدة ترى حينئذ أنها مضطرة إلى الاصطدام مع زمر أخرى تباينها منفعة ورأيا.ويمكننا أن نستدل منذ الآن على ما بين المنافع المتباينة من التصادم المزمع أن يقع من تاريخ الجمهوريات الإيطالية القديمة؛ ولا سيما جمهورية “سيان” وجمهورية “فلورنسا.” كانت نقابات العمال تدير هذه الجمهوريات فنشأ عن اختلافها في المصالح وقوعات ضرجت المدن بالدماء عصورا كثيرة، ولا تقل إن هذا أمر يخص الماضي البعيد؛فنواميس الاجتماع العامة ليست عديدة،