انحلال الجموع الكبيرة وتحولها إلى زمر صغيرة في الوقت الحاضر2من اصل3
وهي تجري حكمها على الدوام. وإذا كان العراك بين الزمر في الوقت الحاضر لا يزال في دور البداءة؛ فذلك لأن السلطة المركزية التي هي على شيء من القوة تردع مزاحمتها، غير أن هذه السلطة أخذت تفقد نفوذها شيئا فشيئا، ومتى يتم ضياعها لذلك النفوذ يقع العراك بينها وبين الزمر المذكورة كما حدث في “ناربون”، ثم يقع بين تلك الزمر نفسها كما في “شنبانيا”؛ حيث تقاتلت نقابات مديريتين ذات منافع متباينة قتالا عنيفا.وفي المستقبل سيعيد التاريخ نفسه فتقع غارات وحرائق وملاحم وغيرها من الحوادث التي هي من مظاهر سخط الجموع عندما لا تجاب إلى طلباتها، ولا يكون أمامها رادع يزجرها.لم نبتعد من مسألة تكوين الآراء والمعتقدات كما قد يتوهم البعض من مطالعة التفصيل السابق، وإلا فكيف ندرك ما في الزمرة من وحدة الآراء من غير أن نبحث عن المؤثرات التي أوجبت وجود تلك الزمرة؟ لقد لقينا صعوبة في تعيين العوامل ذات التأثير الكبير وقتما درسناها في الفصول التي خصصناها للآراء الشخصية، فلا أسهل من تعيينها فيما يتعلق بالزمر المحدودة الكثيرة التجانس كالتي ذكرنا تكوينها آنفا، فهذه الزمر تتألف بالحقيقة من أفراد ليس لهم سوى آراء بيئتهم الصغيرة، أي زمرتهم المضطرة – كي تحافظ على قوتها – إلى عدم الإغضاء عن أية مخالفة في الرأي تبدو من أحد أفرادها.وستصبح مسألة تكوين الآراء والمعتقدات أقل سهولة عندما لا تسمح الجماعة التي ينتسب إليها المرء بأن يكون عنده رأي غير رأيها، وعندئذ تضيق حرية الفكر حتى
تصير أمرا مستحيلا، فلتقع مجتمعات المستقبل تحت حكم الاشتراكية أو النقابية أو في ربقة المستبدين الذين يؤدي هذان المذهبان إلى ظهورهم حتما؛ لترى كيف يستولي عليها استعباد نفسي عظيم. فناء روح الفرد في روح الزمرة