1من اصل2
عدد البيت رقم 200 يخرج للنور، فأستعيد أوقاتي معها على مدار 16 عاماً ومسيرة 200 عدد، هي بالنسبة لي شريكة العمر، فقد تعارفنا بينما كانت وليد شهر واحد وكنت حينها لا أزال طالبة في الفنون الجميلة، شهدت طفولتها وشبابها ونضجها، وقد شهدت أجمل سنوات العمر حين بدأت العمل كمحررة ولا أزال.
تعلمنا معاً خطوة بخطوة أسرار الصحافة المتخصصة في مجال لا تحكمه قواعد الصواب والخطأ، بل تحدده أصول الذوق والجمال والمصداقية والحياد، فمثلاً اختيار الصورة المناسبة لا يعتمد على جاذبيتها فحسب، بل أن تنطق بالمعلومة وتعبر عن الموضع قبل حتى قراءة النص، فرحلة بناء كل صورة هي أهم ما نكافح من أجل كل شهر، بداية من الفكرة، ثم الجولات الموسعة لاختيار المحتوي الذي لابد وأن يكون مبتكراً بعيداً عن التكرار، ثم ننتقل لمرحلة التنفيذ بمساعدة المتخصصين من المصممين ومنسقي المشاهد، وأحد المصورين الاحترافيين المتعاونين مع المجلة حتى أصبحوا جزءاً أساسياً من فريقها، فجلسة التصوير عادة ما تستمر لساعات طويلة لا ينجز خلالها إلا عدد قليل من الصور التي لابد أن تخرج خالية من أي هفوات أو أخطاء حتى وإن كانت غير ظاهرة، كطرف مطوى لسجادة، لوحة مائلة، ورود ذابلة، حافة إناء غير نظيفة… تلك التفاصيل الصغيرة الدقيقة تستغرق كل الوقت والطاقة لكنها دائماً فارقة.
كلما سبق لا يقع تحت قائمة المهارات التقليدية التي يجب أن يتحلى بها المحرر الصحفي، فيضاف إليها ضرورة التحلي بالعين الدقيقة اللماحة التفاصيل، والتمتع بثقافة الذوق بالإضافة للخبرة المعرفية ببعض قواعد التصميم، كل ذلك الخليط ينصهر عند كتابة النص فيخرج بسيطاً جذاباً، حاملاً للمعلومة المتخصصة برشاقة ودون مبالغة.
تلك المعادلة والمهام المزدوجة أثرت التجربة، وحولت خبرة كل من عمل في تحرير البيت من رفاق المشوار إلى عملة نادرة، فسواء من استمر أو من غادر، لكل بصمته المؤثرة ومشاركته الفعالة في البناء الكبير، حتى أصبحت اليوم رمزاً للرقي والصحافة الاحترافية المبدعة.