بريق الأرواح
خالد… عمار…
لنرمِ هذه الكافرة هنا…
يحملون جثتها والدماء تظهر أسفل كتفها بخطوط متشابكة، طوحوا بجثتها من السيارة أرضاً، يحدقون فيها بعيون جاحظة.
يقف خالد بجسده النحيل على مسافة، يقول بنبرة يملؤها الخوف:
انظر يا أبو براء…
أتظن أنها ما تزال على قيد الحياة، عيناها مفتوحتان كأنها ترانا بوضوح.
يحدق أبو براء بعينيه الضيقتين بقلق، ثم يتراجع ويقبل بخطى مختلسة، يهز بحذر كتفها ببندقيته ويخاطبها قائلاً:
هيه… أنتِ…
استسلمي…
يقاطعه عمار بصوته الخشن ويملأ المكان صراخاً وهو جاثم يتربص بها:
استسلمي وإلا أفرغت الرصاصات في رأسكِ.. .
هل تحاولين خداعي؟
أطلق رصاصة على صدغها.
يصرخ أبو براء ليظهر فمه باتساعه قائلاً:
أتخافون من أنثى ميتة أيها الحمقى؟
يمعن أبو براء النظر فيها، تآكلته رغبات شيطانية، تبدت في تشنجات أصابعه المشققة التي يعلوها دم متجمد قائلاً:
يا للمقاتلة الجميلة…
إنها سمراء ذات شعر سبل وطويل.. .
يكز عمار بأسنانه الصفراء حقداً، تتجعد غيظاً ناصيته المتربة الذي يرسم فيها العرق خطوطاً، ويقول:
سأنتقم منكِ…
سأقطعك إرباً إرباً..
كانت تصدر منه أنفاس متتالية غضباً، يتناول سكيناً من جرابه، يحدق في جسدها بكراهية لثوان وعينيه تلمعان غِلاًّ، ليصب جام حقده عليها، وبدأ بتمزيق سترتها العسكرية، تتطاير أزرارها على زيهم العسكري الذي تتدفق منه رائحة العرق، أمسك بثديها، وأعمل فيه سكينه بوحشية منقطعة النظير، كذلك فعل بثديها الآخر، كان يزفر ودمها يلطخ يديه المترتبتين، مسح كفيه من الدم بقميصه، قطع ظفيرتها الطويلة، ثم قلب جسدها يميناً وشمالاً وقال:
هذا يكفي، لا أريد أن أرى علامات أنوثة عليها.
قال خالد بابتسامة بغض بدت على شفتيه:
هه…
سمعت أنها كانت تدعى بارين…
كردية من كوباني.. .
قالوا إنها كانت تقاتل بشراسة وعناد…
يرد عليه أبو براء بكلمات ساخرة وهو يتحسس لحيته الحمراء والمتناثرة ويلطم خاصرتها بحذائه العسكري قائلاً:
هيا قومي وانظري ما فعلناه بك.
عم المكان صمت مخيف، بعد أن عاد الثلاثة إلى مواقعهم وتركوا جثة بارين في مكانها وعلى حالها.
زوبعة غبارحركت وحشة مكان الخيمة التي استلقى فيها أبو براء، كان يستعيد أحداث يومه محدقاً في الفراغ، يعض كعادته أطراف أظافر يديه ويتمتم قائلاً:
بارين، إذاً تلك كانت بارين. …
سأسحق المزيد منهم..
بايرن.
فجأة تبدت بارين أمام ناظريه، بدت كنور متقد أضاءت المكان، تكور أبو براء رعباً وعيونه جاحظة كمن اصابه مسّ، تيبس فزعاً كتمثال مذعور، حدقت به بارين بأنظارٍ متوهجة بالحياة، اقتربت منه قائلة بصوت عذب:
أنت لا تعرفني ولست عدوة لك أليس كذلك؟
ألسنا جميعاً من سكان هذه الأرض الجميلة؟
أرى الأطفال يلعبون الغميضة بأجساد محروقة بسلاحك، ألا تشم رائحة الحريق؟
إنها تلتهم الافق.
انظر حولك، سأقيس بناظري الأماكن التي دمرتها بأسلحتك في عفرين، إنها أقل بكثير من تلك التي تنوي وتخطط لتدميرها في هذه المدينة الطيبة، ارى صور خراب أعظم في عينيك ومخيلتك.
تناهى صوتها الناعم إلى اسماعه وهو جاثم يسمع بحواسه دون حراك.
أمعنت بارين النظر فيه بعينيها البنيتين اللتين تتدفقان لمعاناً، بريق حجب بصره فأغمض عينيه، ثم تابعت:
لماذا تخاف مني؟
لم أؤذك؟
تقترب بارين منه وتمرر سبابتها الملساء على بقعة دم في سترته وترفعها صوب وجهه وهو متسمر في مكانه قائلة:
أتعلم؟
أرى أرواح ضحاياك البريئة صغاراً وشيوخاً، تتطاير من هذه البقعة، ستنقض عليك يوماً حيثما ذهبت.
رحلت بارين كأثير يضيء بوهج أكثر من الأنوار.
رحلت كالبريق عبر رحاب الأفق، تاركة صورتها تغشى أنظاره أينما حلت.
سكون مخيف يحيط بالمكان، يجلس بهلع القرفصاء، ينفض بأصابعه المرتجفة زيه العسكري محاولاً أن يبعد بقعة الدم عنها، لكنه فجأة، دعك عينيه بكفيه آملاً أن تغيب بارين عن ناظريه، وكرر ذلك مرةً إثرَ مرةٍ…إثر مرة…وكأنه موت يستأنف في كل لحظة، وصرخ باكياً:
ابتعدي عني يا بارين…
ابتعدي أرجوكِ ابتعدي…