بكل مجتمع متحرك جماعتين تتنازعان على السيطرة فيه
ولو درسنا أي مجتمع يتحرك لوجدنا فيه جماعتين تتنازعان على السيطرة فيه. فهناك جماعة المحافظين الذين يريدون إبقاء كل قديم على قدمه وهم يؤمنون أن ليس في الامكان أبدع ممّا كان. ونجد إزاء هذه الجماعة جماعة أخرى معاكسة لها هي تلك التي تدعو إلى التغيير والتجديد وتؤمن أنها تستطيع أن تأتي بما لم يأت به الأوائل. من الضروري وجود هاتين الجماعتين في كل مجتمع، فالمجددون يسبقون الزمن ويهيئون المجتمع له. وخلوّ المجتمع منهم قد يؤدي إلى انهياره تحن وطأة الظروف المستجدة. أما المحافظون فدأبهم تجميد المجتمع، وهم بذلك يؤدّون للمجتمع خدمة كبرى من حيث لا يشعرون، إنّهم حماة الأمن والنظام العام، ولولاهم لانهار المجتمع تحت وطأة الضربات التي يكيلها له المجددون الثائرون. قدم تثبت المجتمع وأخرى تدفعه، والسير لا يتم إلاّ إذا تفاعلت فيه قوى السكون والحركة معاً. والمجتمع الذي تسوده قوى المحافظين يتعفن كالماء الراكد. أما المجتمع الذي تسوده قوى المجددين فيتمرّد كالطوفان حيث يجتاز الحدود والسدود ويهلك الحرث والنسل. والمجتمع الصالح ذلك الذي يتحرك بهدوء فلا يتعفن ولا يطغى، إذ تتوازن فيه قوى المحافظة والتجديد فلا تطغى إحداهما على الأخرى.
علي الوردي