بورصة لندن الإقبال على السندات السعودية سيفوق التوقعات
مع اختتام اللقاءات التي عقدت بين مسؤولين سعوديين ومستثمرين دوليين، في العاصمة البريطانية لندن خلال يومي الأربعاء والخميس، بشأن ترويج الرياض لإصدار أول سندات دولية سيادية، طرحت تساؤلات في الأروقة المالية حول أبعاد تلك الخطوة، وتأثيرها على الاقتصاد السعودي، وإلى أي مدى يمكن أن تسهم في مزيد من الإدماج للاقتصاد السعودي دوليا بعيدا عن أسواق النفط، وهل يمثل السعي السعودي لإصدار تلك السندات خطوة منفردة أم يأتي ضمن مجموعة من الخطوات المتزامنة التي يمكن أن تعزز جهود المملكة في مجال الإصلاح الاقتصادي.
واستطلعت “الاقتصادية” آراء بعض الخبراء والمصرفيين البريطانيين بشأن مدى إمكانية قبول الأسواق الدولية للسندات السعودية، وكيف تقرأ المؤسسات المالية الكبرى في البلدان الرأسمالية عالية التطور تلك الخطوة، ومدى تجاوبها معها.
وهنا اعتبر الدكتور تيم بلاتر؛ أستاذ أنظمة الاستثمار في جامعة كينت والاستشاري في عدد من البنوك البريطانية، أن الخطوة السعودية وإن كانت متأخرة بعض الوقت إلا أنها تمثل بداية أساسية في مساعي الرياض الرامية إلى تنويع قدراتها المالية، عبر تعظيم المنفعة من المزايا النسبية التي تتمتع بها.
وأضاف ل”الاقتصادية” قائلا: “طرح السندات الدولية خاصة في الاقتصادات الناشئة يرمي بالأساس إلى سد العجز المالي في الميزانية العامة، خاصة مع تراجع أسعار النفط، لكن في الحالة السعودية فإن هذا الهدف يأتي إلى جانب أهداف أخرى، تصب جميعا في رؤية سعودية استراتيجية، تبتغي القيام بعملية إصلاح شامل تستهدف خفض الاعتماد على النفط في غضون 15 عاما تقريبا”.
وأوضح أنه “كان يمكن للسعودية الاقتراض من الأسواق الداخلية، كما فعلت في مرات سابقة، لكن قرارها ببيع سندات دولية يظهر بوضوح أن الرياض تبعث برسالة قوية للمجتمع الاقتصادي الدولي وللمؤسسات المالية العالمية ولكبار المستثمرين، بأنها جادة للغاية في عملية الإصلاح الاقتصادي، وأنها تنظر إلى تلك العملية باعتبارها بوابة الاندماج في الاقتصاد الدولي في عصر ما بعد النفط، ومن ثم يجب أخذ الخطوة السعودية في إطار أشمل من عملية سد العجز في الميزانية العامة، والنظر إليها باعتبارها تحركا صحيحا لتعزيز عملية الإصلاح الاقتصادي الداخلي”.
وفي الوقت الذي يعتقد المحللون أن الإصدار السعودي قد يناهز 15 مليار دولار، فإن أغلب التوقعات تشير إلى أنه سيتراوح بين 10 و20 مليارا بشرائح لأجال تراوح بين 5 و10 و30 عاما، لكن إلى أي مدى يمكن أن تقبل الأسواق الدولية على شراء السندات السعودية؟
ربما تمثل المكانة التي تتمتع بها السعودية في الاقتصاد العالمي، داعما رئيسيا لإقبال المستثمرين الدوليين على شراء تلك السندات، لكن هناك مجموعة من العوامل الأخرى قد تساعد على خلق مزيد من الطلب القوي على السندات السعودية.
وفي هذا الإطار، قال سي أي هال؛ المحلل المالي في بورصة لندن، إن الطلب الدولي على السندات السعودية سيفوق التوقعات.
وأشار هال في حديثه ل”الاقتصادية” إلى مجموعة من العوامل التي يعتقد أنها تعزز رؤيته بهذا الشأن، أولها أن السندات الدولية السعودية قد تمثل ملاذا آمنا بالنسبة لعديد من كبار المستثمرين، في ظل الغموض الذي يحيط بمستقبل الاقتصاد الدولي، ونتيجة لعدم وضوح نتائج الانتخابات الأمريكية، مبينا أن وصول مرشح الحزب الجمهوري دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، قد يثير تقلبات عنيفة في الأسواق الدولية، ومن ثم فإن السندات السعودية ستكون في تلك الحالة ملاذا استثماريا آمنا.
وأضاف، كما أن تلك السندات ستمثل أيضا فرصة استثمارية جيدة في ظل الانخفاض الراهن في أسعار الفائدة الدولية، لافتاً إلى أن أغلب التوقعات تشير إلى أن الطلب على السندات الدولية السعودية سيشهد منافسة حادة من المستثمرين الآسيويين والأوروبيين وهذا سيرفع من الطلب الإجمالي على تلك السندات.
ولفت إلى أن المؤسسات المالية الدولية وكبار رجال الأعمال، يدركون تماما طبيعة التغيرات الاقتصادية التي ستشهدها المملكة في الفترة المقبلة، والمزيد من الاندماج في الاقتصاد وتتضمن في الأساس مزيدا من الخصخصة الدولي، ومن ثم فإن تلك السندات مقدمة لمرحلة جديدة بالنسبة للاقتصاد السعودية، تتضمن معدلات أعلى من الربحية مع فتح تدريجي للاقتصاد السعودي أمام الاستثمارات الدولية، وهذا سيولد طلبا ضخما على السندات السعودية.
وأوضح، أن المملكة اعتمدت على مجموعة من أكبر المنسقين الدوليين مثل جي بي مورغان واتش اس بي سي وسيتي غروب وآخرين ومن بينهم بنك الصين للإشراف على عملية الإصدار والترويج، مبينا أن كل هذا يمثل مؤشرا على ضخامة تلك العملية، وثقة تلك المؤسسات في نجاحها، كما أنها بإدماج بنك الصين فإنها ضمنت أن يكون لها إمكانية الدخول على الأسواق المالية الضخمة في الصين.
من ناحيتها، رأت ابي ليز الخبيرة المصرفية، أن إقدام الرياض على إصدار سندات دولية سيصبح مظهرا اقتصاديا أساسيا في الاقتصاد السعودي خلال السنوات المقبلة، بغض النظر عن نتائج تلك الخطوة الآن، لكنها تشير إلى أن عملية الإقدام على بيع السندات لا بد أن تترافق مع مجموعة من الإصلاحات البنكية، وهو ما أدركته الرياض.
وأضافت ليز ل”الاقتصادية”، إلى أن السعودية تدرس حاليا إمكانية منح مزيد من الرخص للبنوك الأجنبية، مع تقليص القيود المفروضة على عملها في المملكة، بهدف تعبئة مزيد من الموارد المالية داخليا لأحداث التوازن المرغوب في الميزانية ورفع معدلات النمو، عبر دعم القطاع الخاص، ومن ثم فإن عملية إصدار السندات الدولية جزء من حزمة من إجراءات داخلية وخارجية تتخذها المملكة للإصلاح الاقتصادي. وأوضحت “إذا أخذنا في الاعتبار الضخامة المالية لتلك العملية، والأرباح الناجمة عنها، يمكننا فهم أسباب استعداد الاستثمارات الدولية للاستثمار في المملكة في المرحلة الراهنة والقادمة”، لافتة إلى أنه بالفعل أعلنت مجموعة كريديت سويس سعيها للحصول على رخصة بنكية لممارسة النشاط في السعودية.