تجديد أساليب الخط في تجربة المغربي خالد عروب

تجديد أساليب الخط في تجربة المغربي خالد عروب

[caption align="aligncenter"]تجديد أساليب الخط في تجربة المغربي خالد عروبتجديد أساليب الخط في تجربة المغربي خالد عروب[/caption]

الرباط «القدس العربي» من محمد البندوري: يشتغل الحروفي خالد عروب بمفردات حروفية تتخذ من الأشكال الفراغية بؤرة لتشكيل الفضاء، فالنسيج الإبداعي يتوقف على مناحي تجديدية تجعل مجال الخط المنمق وإبداعه الفريد المخالف يروم أساليب بنائية مغايرة للمألوف، اعتمادا على الأشكال الفراغية وعلى المساحة، ما يجعله بؤرة لتثبيت مجموعة من الطقوس الفنية الحروفية الجديدة. وهي في عمقها طقوس تعبيرية دائمة البناء، بإضفاء مفردات جديدة تستحوذ بشكل كبير على معظم الفضاء، وتشغل المساحة بشكل منظم. وتشكل الرموز والعلامات والمنمنمات مواد ذات تعددية قرائية متناسقة مع المفارقات اللونية، حيث تقود إلى التعبير وفق مجال فضائي يشكل بؤرا غنية بالدلالات. ولا شك في أن التقنيات العالية التي يتوفر عليها المبدع خالد عروب تفصح عن عدد من الاستعمالات الجديدة، منها ما يخص طرائق توظيف اللون، ومنها ما يتعلق بكيفيات التفاعل مع الخامات، ومنها ما يرتبط بالعناصر الحروفية والأشكال والمنمنمات، وكلها تبرز قدرته التحكمية في الفضاء، وكيفية تدبيره للبؤر الدلالية المرتبطة بالمضامين، بل إنها تنم عن تَحكُّمِه الدقيق في عمليات الإنجاز. ويعتبر الربط تقنيا وجماليا بين العناصر المكونة لأعماله، والربط بين مجموعة من المفردات المتباينة، والاستخدامات التحولية، أحد المنجزات التقنية والفنية التي تمكنه من بسط نوع من الانسجام بين الكتل والأشكال والرموز والعلامات، ليُحدث تمردا صريحا على الجاهز، وثورة على المألوف والمستهلك، بل يشكل كذلك صيغة جديدة لتحديث أسلوب الخط العربي، ما يجعله يقود إلى عوالم تُوجّه المسالك التعبيرية. فإذا كان الحروفي خالد عروب يتخذ من الخط العربي في ارتباطه بالتشكيل مقوما أساسيا لبعث الجديد، فإنه في الآن نفسه يؤسس لعمليات تَشَكُّل بنائي وفني جديد، قياسا بأهمية الحرف العربي في تحديث المكونات الأسلوبية ذات القيمة الفنية، التي تكتنز العديد من الدلالات البصرية التي تحتمل التأويلات الجمالية المتعددة. فجماليات الخط العربي تتبدى أساسا في عملية التثبيت المحكم والمنظم داخل الفضاء، باحترام للشكل وبتنويع في جوهر المادة الفنية، وهو ما يحيل إلى أن ريشة المبدع خالد عروب رهينة التوظيف الجمالي المحكم للألوان، وتدبير المساحات، وتفعيل دور البؤر المشكلة أساسا من اللون والحرف والعلامات. كما أن الشحنات التراثية والنقاط والخطوط والشكل وتصبيب الألوان وعملية التنظيم الفارقي تشكل عناصر مهمة، تُدعم القاعدة التنظيمية للفضاء وللعمل الحروفي التشكيلي المعاصر. ويتبدى أن هذا التأطير يأتي في سياق التجربة الفنية المائزة للمبدع خالد عروب، ويدخل كذلك في سياق البعد الرؤيوي الذي يقارب به ماهية المادة الحروفية التشكيلية الممزوجة بالعلامات والرموز والأشكال المختلفة بالمادة التشكيلية الصرفة التي يقوم عليها العمل الفني في مجمله. الشيء الذي تَنتُج عنه بعض الأساليب الجديدة التي تحددها المسالك التشكيلية الدقيقة بين الرؤية البصرية والمنطق التشكيلي الذي يتمظهر فيه الفضاء الفني غنيا بالمستجدات، وهو ما يفصح عن درجة من الوعي الفني والنقدي للتعبير بهذه المقاربة، بل إن الرؤية البصرية تُظهر أن البناء التشكيلي في عمومه، مدجج بالضربات اللونية، وإن اللون حاضر في المرتبة الأولى مواز للشكل والحرف، باكتساح للألوان المتنوعة. وهو ما ينم عن عملية الأخذ من مجال تشكيلي صرف، باجتهادات تجعل أعمال خالد عروب مثقلة بالإيحاءات والإشارات والرمزية، وهي عناصر فنية أساسية يقتحم بها فضاءات الحداثة وعوالمها الإبداعية الجديدة والمعاصرة. وبذلك يبني الفنان الحروفي خالد عروب أعماله الإبداعية وفق مستحدثات تقنية في الرؤى التعبيرية، وفي الأساليب البنائية، وفق آليات فنية هائلة يمزج خلالها الألوان ويوظفها بتدرج دقيق ومنظم، وبمقدرة أدائية عالية تدعم النسيج الحروفي، مستعينا بعلامات ورموز وأشكال متنوعة، ما يجعل أعماله تتخذ أبعادا تجريدية وفكرية وروحية وثقافية ومعرفية وثيقة الصلة بعوالم الحروفية العربية والحداثة. وهي ثنائية تُفسح له المجال كي يتخذ من الطلاء اللوني والأشكال الحروفية الناعمة مادتين أيقونيتين للتعبير عن خلجاته وهواجسه وشعوره، لينتج سحرا فنيا له دلالات ومعان. كما أن العلامات اللونية، والأشكال الجديدة، تضيف للمساحة أبعادا جمالية لما يحيط بها من خطوط متعرجة وشبه دائرية، وأنصاف الدوائر التعبيرية المفتوحة، وهي تجمع بين الحرف والشكل المعوي المستحدث، بإِيقاعات لحنِية لِلخط، تُشكل مجموعة عناصر في نطاق التماثُل والتباين والوحدة والانسجام، بتمثيل قوي ومنظم للمقومات الفنية للعمل الخطي، من حروف ومَقاطع وكلمات، يسيطر جزء منها في الأعمال على كامل تكوِينها، بحيث يصبح مركزا لجذب النظر، وفق أنساق متناغمة مع كل تلك العناصر في المزاوجة بين ضروب متعددة من الخطوط، يخالطها المبدع خالد عروب ويوصل بينها وبين الأشكال الحروفية المستحدثة، ليصنع توليفا، يوطد به عروة التجانس بين كل المفردات والمكونات التي تشكل أعماله الحروفية وعالمه الإبداعي، مستغلا رشاقة الحرف وحركيته، وجمالية الألوان وأساليب وضعها لينتج من ذلك جماليات وقيم تعبيرية صرفة. وبذلك تتراءى أعماله الرائعة نتاجا لتطور أسلوبي في الحروفية العربية، تتبدى فيه اجتهادات نابعة من السيميولوجية المحلية، والمؤثرات المعاصرة التي تنتهل من المجال السيميائي بعض معارفه، وهو ما يفصح عن المشروع الذاتي للفنان خالد عروب، الذي استطاع من خلال تجربته المميزة وخبرته العالمة أن يمزج بين مفارقتي التداعيات الوجدانية بسحرها الجمالي المرصع بجمالية الخط العربي، وبين خزان من الأشكال والرموز والألوان المعاصرة المدججة بالتقنيات المعاصرة. وبذلك فإن قدرته التصورية لإبداع الجديد تمنح القارئ تحويلا خلاقا، يتمثل الكلَّ الجمالي والفني للحرف العربي، فهو يجمع المفردات التشكيلية ويوزع في الغموض ويختزل بعضا من المساحات، فينجز أشكالا صباغية خفيفة، لربط الأداء الحروفي بالمادة التشكيلية، فضلا عن الاستعمالات التقنية الهائلة. فتتمظهر أعماله مليئة بالدلالات القوية. إنه تأصيل فني نتج عنه أسلوب خاص ينبض بحيوية الإبداع والابتكار، ما منح أعماله أبعادا جمالية، تتوفر فيها كل معاني الجمال والإبداع والعصرنة.

]]>

m2pack.biz