تعريف الأسلوبية في الأدب
الأسلوب
الأسلوب في التعريف هو النّهج اللغوي الذي يشتقُّه الأديب لنفسه في خضم المادة اللغوية المتراكمة، وهذا يعني أن الاسلوب هو نسق معين ونظام، كما أن هذا النسق قد يكون عامًا فيُقصد به الطريق، وقد يكون خاصًّا فيُقصد به خرق النظام اللغوي وكسر النسق، ومن الممكن أن يُقال إن الأسلوب هو المذهب، ولكلٍّ مذهبه، أما في الاصطلاح فإن الأسلوب هو أقدم مما يُطلق عليه الأسلوبية، ولكي يتوصل الدارس إلى تعريف الأسلوبية في الأدب لا بد من التعرف إلى الأسلوب وهو السابق لها؛ إذ إن الأسلوب كان موجودًا منذ زمن أرسطو، إضافة إلى أنه معروف عند البلاغيين العرب.[١]
تعريف الأسلوبية في الأدب
إنّ أبرز ما يُقال في تعريف الأسلوبية في الأدب أنها منهج يهدف إلى تحليل الخطاب الأدبي، والكشف عن أبرز معالمه ومميزاته الفنية والجمالية، إضافةً إلى أنّها تسعى إلى تخليص النص من سياقاته الخارجية وشروطه الإبداعية، أي أنّها سعت لتكون منهجًا بديلًا وعلميًّا منضبطًا، ومن الأمور المهمة التي يقع عليها الباحث عن تعريف الأسلوبية في الأدب أن الاسلوبية تركز على عملية الإبلاغ والإفهام، وثم تنتقل إلى أمر أساسي وجوهري وهو التأثير في المتلقي، وهذا التأثير يكون من خلال اهتمام الكاتب ببناء كلامه بناءً يلفت نظر المتلقي ويجذب انتباهه إلى ما يريده الكاتب، ومما سبق يمكن القول إن الأسلوبية تعمل على دراسة الكلام على أنه نشاط ذاتي في استعمال اللغة. ومما قاله جاكبسون في تعريف الأسلوبية: “إنها البحث عما يتميز به الكلام الفني عن بقية مستويات الخطاب أوّلًا، وعن سائر الفنون الإنسانية ثانيًا” وهذا الكلام يعني أن من يريد أن يدرس النص الأدبي دراسة أسلوبية ووفق تعريف الأسلوبية في الأدب لا بدّ له من أن يقارن النتاج الأدبي مع غيره من النتاجات ليبين ميزاته وخصائصه.[٢]
الأسلوبية وظاهرة الانزياح
لا بدّ لمن يبحث في تعريف الأسلوبية في الأدب أن يقع على مصطلح مهم ومرتبط ارتباطًا وثيقًا بالأسلوبية وعلم الأسلوب وهو الانزياح، فقد اشتهر مفهومُ الانزياح وانتشر في الدراسات النقدية والأسلوبية، والسببُ في الاهتمام بهذا المفهوم يرجع بالأساس إلى البحث عن خصائص مميزة للغة الأدبية عمومًا، والشعرية خصوصًا. وقد تبنَّى هذا المفهومَ عددٌ مِن الباحثين والنقاد، ومنهم جون كوهن والذي يرى أن الشرط الأساسي والضروري لحدوثِ الشِّعرية هو حصول الانزياح، باعتباره خرقًا للنظام اللُّغويِّ المعتاد.[٣]
وبناءً على ما سبق فإنّ الانزياح ظاهرة من ظواهر الأسلوبية، والتي تقوم على الخروج عن المألوف والمعتاد، وتجاوز السائد والمتعارف عليه والعادي، وهو في الوقت نفسه إضافةٌ جمالية يمارِسها المُبدِع لنقل تجرِبته الشعورية للمتلقي والتأثير فيه -وسبق أن ذُكر في تعريف الأسلوبية في الأدب مدى اهتمامها بالتأثير في المتلقي- ومِن ذلك لا يُعَد أيُّ خروج عن المألوف، وتجاوُز للسائد، وخرق للنظام انزياحًا ما لم يحقّق قيمةً جمالية وتعبيرية، ومع أن الانزياح مصطلح حديث ارتبط بالأسلوبية وبالشعرية الحديثة، إلا أن هذا المصطلح له جذور تعود إلى البلاغة اليونانية؛ إذ إنّ أرسطو كان يميز بين اللغة المعروفة الشائعة وبين اللغة الغريبة غير المألوفة ويرى أن الثانية -أي غير المألوفة- هي اللغة الأدبية.[٣]
ولا تخلو البلاغة العربية القديمة من صورٍ للانزياح اهتمّ بها البلاغيون، ومع أنهم لم يكونوا على معرفة بهذا المصطلح ولم يتواضعوا على تسميته بالانزياح، إلا أنهم درسوا الاستعارة، والتقديم والتأخير والخروج عن المألوف وما إلى ذلك من المباحث البلاغية. ولا يمكن إغفال دور نقاد العصر الحديث واهتمامهم بظاهرة الانزياح وعلى رأسهم عبد السلام المسدي في كتابه “الأسلوب والأسلوبية” وصلاح فضل وتمّام حسان ومحمد العمري وغيرهم.[٣]