تعريف المقامة
بما أن المقامة قد عُدّت من أبرز الفنون النثرية في العصر العباسي، فلابد من الوقوف على تعريف المقامة ومفهومها، حيث تشير المقامة في أصل اللغة إلى الجماعة من الناس والمجلس الذي يجتمعون فيه[٢]، وقد اشتق من هذا المفهوم آخر يبين تعريف المقامة كما اصطلح عليها النقاد والدارسون، فهي تعني: فن أدبي نثري، يقوم على أسس القص والسرد الحكائي، وتدور في معظمها حول الكدية، ويتخذ كاتبها لها راوٍ وبطل وبعض الشخصيات الثانوية، وفيها يحتال البطل لكسب المال والفرار به، وتصاغ في قالب لغوي محكم، يضج بالمفردات الجزلة، والمعاني العميقة، وهي مشحونة بكثافة لغوية جعلت منها مادة أساسية لتعليم اللغة للتلاميذ في العصر العباسي.
هذا بالإضافة إلى ما أرسته من أصول تفرعت عنها ألوان فنية من النثر العربي فيما بعد كفني القصة والرواية، في وقت لم يكن النثر فيه يحظى بتلك الشهرة البالغة التي حازها الشعر بألوانه، عدا عن كونها إبداعًا عربيًا أصيلًا، يحمل في مضمونه مكنونات المجتمع العباسي الاجتماعية والاقتصادية والفكرية، ويحمل معاناته في طلب الرزق وتأمين سبل الحياة، ويرجع أصل هذا الفن إلى ما عرف بسجع الكهان، وأحاديث ابن دريد، وقد استلهم بديع الزمان الهمذاني منه هذا الفن، فكتب مقامات عديدة منها: المقامة البغدادية، والمقامة المضيرية، والمقامة البصرية، وقد تابعه الحريري في هذا الفن مبتدعًا من مقاماته، التي عرف واشتهر بها، خمسين على غرار الهمذاني ومنها: المقامة الصنعانية والمقامة الاسكندرية، وقد اتخذ أصحاب المقامات من أسماء الأماكن أو المأكول والمشروب أسماء لها، حتى كأنها تحمل سمة ذلك المكان وأهله، وحاجتهم الأساسية التي باتت مطلبا صعبًا يشق الحصول عليه.[٢]