تقريب المسافات بين منتجي النفط يمهد لاتفاق تاريخي ومؤثر
واصلت أسعار النفط الخام مكاسبها السعرية الواسعة بفعل اقتراب المنتجين في “أوبك” من إقرار خطة خفض الإنتاج وتنفيذ متطلبات اتفاق الجزائر، بعدما تم تقريب المسافات بين مواقف المنتجين واحتواء الخلافات والدفع في طريق التعاون المشترك لاستعادة التوازن في السوق.
وحققت الأسعار قفزات واسعة وسجلت ارتفاعات لليوم الثالث على التوالي وبلغت أعلى مستوى منذ أكتوبر الماضي، وذلك بدعم من التقدم الذي تشهده اجتماعات اللجنة العليا للخبراء المنعقدة حاليا في مقر منظمة أوبك في فيينا، وسط أنباء عن احتمال تقييد الإنتاج لمدة ستة أشهر بتوافق كل المنتجين.
وقبل نحو أسبوع من عقد الاجتماع الوزاري المرتقب رقم 171 لمنظمة أوبك تضاعفت حالة التفاؤل بنجاح خطة خفض الإنتاج والسيطرة على تخمة المعروض العالمي، خاصة بعدما تنامت أنباء من داخل اجتماع الخبراء تفيد بأن تحديد الحصص المقترحة لكل منتج بات وشيكا بما يجعل “أوبك” قاب قوسين أو أدنى من أول خطة لتنفيذ خفض إنتاج دول المنظمة منذ نحو ثماني سنوات وبالتحديد منذ الأزمة المالية العالمية في عام 2008.
وفى سياق متصل، قالت ل “الاقتصادية” مصادر في منظمة الدول المصدرة للبترول “أوبك”، “إن أجواء اللقاء الثاني للجنة العليا للخبراء التي انطلقت الإثنين في فيينا كانت إيجابية وحققت كثيرا من التقدم، خاصة في ضوء المواقف الجادة والمتعاونة التي أبداها وزراء النفط والطاقة في عدد من الدول المنتجة أخيرا خاصة في العراق وإيران وهما محور القلق بالنسبة إلى السوق”.
وأضافت المصادر، أن “الجميع على قناعة تامة بضرورة دعم وتطوير جهود التعاون المشترك داخل وخارج “أوبك” على حد سواء، لأن ذلك من شأنه أن يساعد على إعادة التوازن وتحقيق النمو المستدام في السوق”.
وأوضحت، أن اتفاق الجزائر حدد المستوى المستهدف للإنتاج ما بين 32.5 مليون برميل و33 مليون برميل يوميا، لكنه في نفس الوقت منح كثيرا من المرونة لعمل اللجنة العليا للخبراء الفنيين في إجراء دراسات دقيقة لحالة السوق وتحديد أنسب مستوى للإنتاج بدقة، ضمن هذا النطاق وهو ما تقترب اللجنة الفنية من إنجازه قبل أيام قليلة من الاجتماع الوزاري الأربعاء المقبل.
وأشارت إلى أن اللجنة العليا للخبراء ستقدم توصياتها إلى وزراء الطاقة قبل فترة وجيزة من عقد الاجتماع الوزاري وفي ضوء مناقشات ومشاورات الوزراء خلال اجتماع الأربعاء، سيتحدد بالفعل سقف الإنتاج الجديد وآليات تنفيذه ودور كل منتج من الدول الأعضاء في المنظمة إلى جانب مساهمات بعض الدول من خارج المنظمة وعلى رأسها روسيا.
ونوهت المصادر بأنه يمكن القول إن المناقشات تشهد تقدما متواليا والأجواء بصفة عامة إيجابية للغاية، والجميع يلمس أن هناك رغبة قوية بين الدول الأعضاء في اتخاذ قرارات ناجزة وفعالة، خاصة أن اتفاق الجزائر شهد إجماعا عند التوصل إليه في الاجتماع الوزاري السابق في الجزائر في سبتمبر الماضي.
من جانبه، قال ل “الاقتصادية” جوي بروجي مستشار شركة توتال العالمية للطاقة، “إنه من الواضح التأثير الإيجابي لاجتماعات اللجنة العليا للخبراء في “أوبك” في السوق، حيث حدثت طفرات سعرية مرجعها الثقة الشديدة بقرب التوصل إلى اتفاق مؤثر يقود إلى تعاف حقيقي في السوق”، مشيرا إلى أن الترجيحات تميل إلى الاتفاق على تقييد الإنتاج بين كل المنتجين لمدة ستة أشهر وهي مدة مناسبة لتوازن السوق وتحسن مستوى الأسعار.
وأشار إلى أن هذا الاتفاق ستكون له انعكاسات سريعة وإيجابية على السوق، خاصة في ضوء توقعات واسعة لعديد من المنتجين بتوازن السوق بحلول منتصف العام المقبل، نتيجة تقلص المعروض بفعل انكماش الاستثمارات في مقابل تحسن مؤشرات الطلب نتيجة تسارع النمو خاصة في دول وسط آسيا.
من ناحيته، أوضح ل “الاقتصادية” رينيه تسفانيبول مدير شركة طاقة في هولندا، أن نجاح الاجتماعات الفنية يمثل الجزء الأكبر والأهم الذي يمهد بقوة لنجاح الاجتماع الوزاري وهو ما تحقق بالفعل، معتبرا التوافق على فترة أطول من ستة أشهر لخفض الإنتاج ستكون لها انعكاسات أفضل على السوق، خاصة في ضوء تباطؤ انحسار تخمة المعروض واستمرار حالة فائض المخزونات.
وشدد على ضرورة تخلي الجانبين الإيراني والعراقي عن المواقف الملتبسة والمتأرجحة، وتأكيد التزامهما الكامل بدعم خطط “أوبك” لتعافي الأسواق الذي سيؤثر بالإيجاب دون شك في تحسين مؤشرات الاقتصاد في البلدين.
من جانبها، أشارت ل “الاقتصادية” المحللة الروسية ماريا جوساروفا، إلى أن روسيا ستدعم دون شك أي قرار تتوصل له منظمة أوبك انطلاقا من علاقات الشراكة والتعاون الواسعة التي تربطها سواء مع المنظمة أو مع الدول الأعضاء بشكل ثنائي، ومن هذا المنطلق كان حرص روسيا على المشاركة في الاجتماع على مستوى رفيع من خلال حضور الكسندر نوفاك وزير الطاقة الروسي.
وأشارت جوساروفا إلى الأنباء المعلنة عن تأجيل الرئيس الروسي فيلاديمير بوتين لقاء مع شركات نفطية إلى ما بعد انتهاء الاجتماع الوزاري ل “أوبك”، وسط توقعات بأن يحث بوتين الشركات الروسية على تجميد الإنتاج في ضوء نتائج الاجتماع الوزاري ل “أوبك” الأسبوع المقبل.
من ناحية أخرى فيما يخص الأسعار، صعدت أسعار النفط أمس لأعلى مستوى منذ تشرين الأول (أكتوبر) مع تزايد التوافق في السوق على أن منظمة البلدان المصدرة للبترول “أوبك”، ستتغلب على الخلافات الداخلية وحالة الشك من أجل التوصل إلى اتفاق يقلص إنتاج النفط فعليا.
لكن البعض حذروا من أن فشل “أوبك” في التوصل إلى اتفاق في الاجتماع الذي سيعقد في الثلاثين من تشرين الثاني (نوفمبر) أو تنفيذه بشكل فعال، سيؤدي إلى هبوط الأسعار بفعل عدم تقليص تخمة المعروض المستمرة منذ عامين.
وقفزت العقود الآجلة لمزيج برنت 85 سنتا للبرميل إلى 49.75 دولار للبرميل بحلول الساعة 10:00 بتوقيت جرينتش، بعدما ارتفعت دولارا في وقت سابق لتتجه نحو مستوى 50 دولارا للمرة الأولى منذ نهاية تشرين الأول (أكتوبر).
وزاد سعر العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأمريكي 68 سنتا أو ما يعادل 1.4 في المائة إلى 48.92 دولار للبرميل.
وتلقت الأسعار دعما من تعليقات مسؤول نيجيري يحضر اجتماع اللجنة الفنية للمنظمة الذي يسعى المشاركون فيه إلى وضع تفاصيل الاتفاق، إذ قال “إن من المرجح أن تصل جميع الدول إلى توافق قريبا”.
وتسعى منظمة البلدان المصدرة للبترول “أوبك” للتوصل إلى اتفاق بين أعضائها الأربعة عشر – ومن بينهم السعودية وإيران – وروسيا غير العضو لتنسيق خفض الإنتاج، ودعم السوق من خلال إحداث توازن بين الإنتاج والاستهلاك.
وقالت المنظمة في نهاية أيلول (سبتمبر)، “إنها تسعى إلى تقليص الإنتاج إلى ما يراوح بين 32.5 و33 مليون برميل يوميا مقارنة بمستويات الإنتاج القياسية التي سجلتها في الآونة الأخيرة التي بلغت نحو 33.8 مليون برميل يوميا”. وارتفعت أسعار النفط في السوق الأوروبية أمس مواصلة مكاسبها لليوم الثالث على التوالي، مسجلة أعلى مستوى في ثلاثة أسابيع، مع اقتراب منظمة الدول المصدرة للنفط “أوبك” من الإعلان رسميا عن خفض إنتاجها للمرة الأولى منذ عام 2008، في ظل التقدم الكبير في المحادثات الفنية لأعضاء المنظمة في فيينا والاقتراب من تحديد حصص الدول من الخفض المحتمل.
وبحلول الساعة 10:14 بتوقيت جرينتش ارتفع الخام الأمريكي إلى مستوى 49.05 دولار للبرميل من مستوى الافتتاح 48.34 دولار وسجل أعلى مستوى 49.15 دولار الأعلى منذ 28 من تشرين الأول (أكتوبر) الماضي وأدنى مستوى 48.25 دولار.
وصعد خام برنت إلى مستوى 49.85 دولار للبرميل من مستوى الافتتاح 49.27 دولار وسجل أعلى مستوى 49.94 دولار الأعلى منذ 31 من تشرين الأول (أكتوبر) الماضي وأدنى مستوى 48.92 دولار.
وأنهي النفط الخام الأمريكي “تسليم يناير” تعاملات مرتفعا بنسبة 4.4 في المائة، في ثاني مكسب يومي على التوالي، وحققت عقود برنت “عقود يناير” ارتفاعا بنسبة 4.7 في المائة بأكبر مكسب يومي منذ 28 أيلول (سبتمبر) الماضي.
وحققت أسعار النفط الأسبوع الماضي ارتفاعا بنسبة 5 في المائة في أول مكسب أسبوعي في شهر، مع تجدد الآمال في الأسواق من اقتراب “أوبك” من إتمام اتفاق نهائي بشأن خفض الإنتاج بالتعاون مع منتجين من خارجها وعلى رأسهم روسيا “أكبر منتج للنفط في العالم”.