ثورة التصحيح الثقافي وانتفاضة المثقفين في مصر… لعبة شد الحبل
خلال السنوات القليلة الماضية تعاقب عدد كبير من الوزراء وجلس الكثيرون على مقعد وزير الثقافة إبان قيام ثورة 25 يناير/كانون الثاني، فقد تولى المنصب ما يقرب من عشر شخصيات خلفاً لفاروق حسني الوزير المصري الأسبق والأطول عمراً في نظام مبارك ، وللوصف هنا دلالته فبقاء فاروق في منصبة لمده تجاوزت العشرين عاما له صلة بحركة التبديل والتغيير الطارئة باستمرار على ديوان الوزارة المعنية، فما تخلف من مشكلات تراكمت على مدى سنوات جعل مهمة الإصلاح جد صعبة، حتى على من تولوا المسؤولية من داخل الحقل الثقافي ذاته مثل جابر عصفور وهو من كان أمين عام المجلس الأعلى للثقافة لفترة طويلة والرجل الأول المخضرم في الوزارة وكذلك عماد أبو غازي وشاكر عبد الحميد، حيث إهمال الملفات المهمة والأساسية وإرجائها دائماً إلى أجل غير مسمى أدى إلى مزيد من المشكلات والعثرات والعطل الثقافي المزمن في قطاعات كثيرة منها.
كانت مشكلة الإصدارات الثقافية واحدة من المشكلات الرئيسية التي وضعت أمام كل الوزراء المتعاقبين بلا استثناء ولأنها مشكلة ذات أبعاد كثيرة فقد ظلت مؤجلة إلى أن جاء حلمي النمنم الوزير الحالي وقرر فتح الملف، أو بمعنى أدق فتح الجُرح والتعامل معه بما يقتضيه الحال الراهن، بالإضافة إلى ملفات أخرى أو جروح أخرى رأى أنه آن الأوان لفتحها وتنظيفها وفق معطيات فرضتها المرحلة الآنية، ويبدو أن ما رآه لم يكن مدروساً بالشكل الكافي من وجهة نظر المتضررين ، فالجراحات السريعة والعاجلة عادة ما يتبعها بعض الأخطاء وربما ذلك ما حدث بالفعل وأدى إلى خلق معركة وفتح جبهة بينه وبين عدد من المثقفين وموظفي القطاعات الثقافية، ممن اعتبروا ثورة الوزير لتصحيح الأوضاع المقلوبة والمعوجة استهدفتهم شخصياً وأثرت على مواقعهم ومكانتهم وامتدت إلى أرزاقهم، حيث تم في إطار ما اتخذه النمنم من إجراءات إلغاء بعض السلاسل الأدبية الدورية والمجلات الثقافية والفنية والاستغناء عن بعض كوادرها والقيادات النشيطة فيها! فضلاً عن أن ما لم يتم إلغاؤه من السلاسل وأبقي عليه للضرورة استبعدت قياداته واستبدلت بقيادات أخرى أقل كفاءة وخبرة، الأمر الذي زاد من عملية الاحتقان وأعطى إحساساً بتجني الوزير على من حملوا على أكتافهم مسؤولية ثقافية جسيمه لسنوات طويلة وتمنوا أن يأتي التطوير وتتم معالجة المشكلات في وجودهم كمتخصصين ومثقفين مهمين أفنوا وقتاً وجهداً في سبيل الارتقاء بالمستوى الثقافي والنهوض بحركة النشر والتثقيف، ولم يخطر ببالهم أن يكونوا أول من يطاح بهم بعيداً مع أول خطوة للإصلاح .
وعلى ضوء هذا الغُبن دارت رحى الحرب بين المستبعدين والمؤسسة الثقافية على اختلاف مواقعها وبدأت حملات تبادل الاتهامات تسود بين الطرفين، الطرف الرسمي الأقوى وأولئك المستبعدون كرهاً حسب اعتقادهم، ولم تقتصر حركة التصحيح وفق ما يراه وزير الثقافة وما ينتهجه على قطاعات النشر فقط، بل شملت قطاع السينما أيضاً فقد تم نقل الإدارة العامة للسينما من موقعها في جاردن سيتي إلى قاعة منف لحين إعادة ترتيب دولاب العمل ووضع آليات جديدة يسير بموجبها النشاط السينمائي بالإدارة ومن ثم توقفت معظم النشاطات والعروض والندوات التي كانت تنظمها هذه الإدارة خارج القاهرة تماشياً مع النظام القديم الذي كانت عليه وهو ما عُرف على مدى سنوات بنادي السينما، أيضاً تم توقيف الحركة السينمائية بقصر السينما ليعاد النظر فيها تبعاً للنظام الجديد، لا سيما أن القصر كان مُختلفاً على صلاحيته من ناحية وسائل الأمن والسلامة بناءً على قرار هيئة الدفاع المدني، التي أوصت قبل ذلك بضرورة توفير وسائل الحماية المدنية به كشرط لاستئناف النشاط السينمائي.
نعود إلى حالة الاستنفار الثقافي التي أوجدتها القرارات الوزارية وكانت سبباً في التوتر المستمر بين عدد من المثقفين العاملين في قطاعات النشر والسلاسل الأدبية لنؤكد أن سوء التفاهم القائم بين الوزارة والعاملين بها هو بالقطع ضد الثقافة المصرية وسيؤثر على حالة التفاعل الجماهيري لأنه يعطل إنجاز المنتج الثقافي نفسه وستأتي النتائج عكس المنشود والمأمول في وقت يُفضل فيه الابتعاد عن أي أسباب جديدة للتكدير والتعطيل وعرقلة المسيرة التنموية بأشكالها الثقافية والاجتماعية والسياسية، ومن الأجدى أن يبتكر وزير الثقافة حلمي النمنم حلاً وجيهاً يتجاوز به الأزمة ويفض الاشتباك بين أعضاء الكيان الواحد حفاظاً على لحمته .
كاتب مصري
كمال القاضي