حمار الأجرة 1من اصل3
على المحطة حماران للإيجار، غُششت أول الأمر فاخترت أكبرهما جثة، حسبته أقوى على الجري من زميله القزم الأغبر، هو أبيض اللون، على ساقيه وظهره لطخ من الحناء، أذناه متدليتان على صدغيه كمقاصيص بنت البلد، ولكنه لم يكد ينفلت من مرمى بصر المعلم بعد أن ودعه بطرقعة من لسانه على سقف حلقه “تشك”، فيها تحذير وتنبيه لتقديم حساب عند العودة، حتى نسي الدنيا ومشواري وتهديد المعلم، وأبى إلا أن يسير كما يشاء هو، كأنما يغرز قوائمه في عجين، عظمتا كتفه –فهو موتور من سلندرين- تعلو واحدة وتهبط أخرى وأنا أتأرجح فوقه… كل ضربة عصا وراءها خطوة واحدة سريعة ثم تعود ريمة لعادتها القديمة، استنفدت أنا والصبي كل ألفاظ وأصوات الحث على المشي حتى جف ريقنا، بلا فائدة. أسلمت أمري لله واعتمدت على يدي أضغط بها فوق البردعة لأخفف اهتزازي.
وأصبحت أتجنب هذا الحمار وأرفضه، لأنني جربت بعد ذلك. وليس لي خيار فهما حماران لا ثالث لهما. الحمار القزم الأغبر الذي احتقرته أول يوم، فوجدته ذلولًا يقطع الأرض في حركة لا أدري لما تذكرني بيد غسالة عفية تفردها وتطبقها على القماش في الطشت في حركة متشابهة. إياك أن تستهتر بالأقزام في الحمير والناس…
وذات يوم خرجت لأمر عاجل فلم أجد إلا الحمار الأبيض. ياللوقعة السوداء… أين صاحبنا الأغبر؟ إنه خرج غفي مشوار ولن يعود إلا بعد الظهر، ما العمل؟ رضيت بقسمتي وركبته وأطلق المعلم ورائي صبيًا جديدًا لم أكن أعرفه، دهشت حين وجدت الحمار يقفز لكل زقة من العصا خطوتين بدلًا من واحدة. لم أفطن أول الأمر للسبب، ولكن شيئًا في قلبي أنزلني عن الحمار وتناولت العصا فإذا بي أجد أن هذا الصبي قد ثبت فيها مسمارًا حادًا ليغرزه في لحم الحمار المتعب، ثارت نفسي لهذه القسوة الحمقاء الغاشمة إلا أنني عجبت وأنا أقارن بين فعل في الحمار: لا يزيد من مقاومة سلبية وفعله في هذا الصبي، إنه يخاف أن يضربه المعلم إذا تأخر عن موعده المرسوم،