حَلوى السّبت / شيخة حليوى
[caption id="attachment_6189" align="aligncenter" width="300"] شيخة حليوى[/caption]أمسك الطفل علبة الحلوى وأخذ يُقلّبها بين يديه، كان منهمكًا في تفحّص حلواه بينما أمّه تتحرّك جارّة عربة المشتريات، حذّرته: “هل قرّرت؟ هل تريد هذه الحلوى للسبت أم تُفضّل الأخرى بطعم الفانيلا؟ هيّا.” ركض خلفها ويده تشدّ على طاقيّة رأسه الصّغيرة بحرص شديد لا يُضاهيه سوى حرصه على علبة الحلوى، إن سقطت إحداهما، الطاقيّة أو الحلوى، سيكون سبته منقوصًا؛ فلا أصعب من اختيار حلوى السّبت سوى غضب الرّبّ المتربّص بيهوديّ متديّن يتهاون في غطاء رأسه، ذاك الغطاء الّذي يحفظ له تقوى الرّبّ، كما أشار شرّاح التلمود. ينظرُ طويلًا إلى الحلوى بيده وتلك التي تحملها أخته، يحتارُ بينهما، تحرّكُ أخته لسانها في غفلة من أمّها وتغيظه بحلواها، يُهرول فجأة نحو الرّفوف ويستبدل الحلوى بأخرى، تشير إليهما الأمّ: “الآن ضعاها هنا في العربة كي ندفع ثمنها.” يزدحم هذا المجمّع بالمشترين أيّام الخميس، أكثرهم من اليهود المتديّنين، تغريهم أسعاره المتدنّيّة مقارنة بباقي الدكاكين في المنطقة، وتوفّر كلّ ما يحتاجونه بكميّات كبيرة، وأختاره أنا كما كثير من العرب لموقعه القريب، ومعاقبة غير معلنة لأصحاب المصالح الجشعين الّذين يسعّرون بضائعهم وفقًا لميزانيّة ساكني القصور الجدد في يافا، الّذين يشترون أشياءهم على هيئة عيّنات مخبريّة لا ترهق ملايينهم المكدّسة في بنوك فرنسا وأمريكا. لم يتجاوز الطّفل السّادسة من عمره، يحرس عربة المشتريات ولا يرفع عينه عن حلواه، يمدُّ بين الحين والآخر يدًا تطمئنُّ على وجودها هناك ويدًا أخرى تعدّل طاقيته غير المستقرّة على رأسه. اليوم هو الخميس، وهذه الحلوى لن ينعم بها قبل السّبت؟ أيّ طاقة نفسيّة يحتاج كي ينتظر اليوم الموعود يلتهمها فيه بمتعة ولذّة؟ وأيّ شيطان سيُعينه على انتظار سبت آخر وحلوى أخرى؟ وماذا سيفعل بين السّبتين؟ لا أعرف لماذا ساقتني نظراته القلقة إلى الخليل، حيث يعيش المستوطنون الأشدّ ضراوة وشراسة، هؤلاء المسؤولون عن ترويع الفلسطينيّين وفتح أبواب جهنّم صباحًا، بينما هم يعدّلون وضعيّة طاقيّاتهم، هؤلاء الّذين يحترفُ صغارهم فنون اللّعب على حافّة الإنسانيّة، بينما هم يمنّون النّفس بحلوى السّبت. لاحظ نظراتي المتابعة لتحرّكاته دون وعيٍ منّي، فازداد حرصًا على حلواه، نادى أمّه: “هل أستطيع أن أحمل الحلوى الآن؟” ناولته إيّاها، فنظر إليّ مُنتصرًا… هل يُجيز حاخاماتهم ترويع الفلسطينيّين يوم السبت وهو يوم راحتهم؟ لا بدّ أنّ ذلك يندرجُ تحت شعار “سلامة النّفس تُبطلُ السّبت”… أخشى أن تكون حلوى السّبت هناك مرهونة بجهاد دينيّ قوامه “كلّما كان تنغيصك لحياة الفلسطينيّ أكثر كانت حلوى السبت أكبر وألذّ!”. لحلوى السّبت هناك نكهات كثيرة… شوكولاطة مطعّمة بالكراهيّة… فانيلا بنكهة الحقد… لا تعقيد في الحلوى عندنا، نختارها، ندفع ثمنها ثمّ نلتهمها… ببساطة! قد نحتفظ بالأفخم منها للضّيوف، أو في أسوأ الحالات نخبّؤها في مكان ما حرصًا على صحّة أحد الأفراد، وهو، في أسوأ الحالات، يجدها ويتذوّق منها ما تيسّر له قبل حلول السّبت. توجّهت بعربتي نحو الباب، ناولت الحارس فاتورة المشتريات، وقّع عليها وحيّاني تحيّة آخر الأسبوع عندهم: “سبت سلام، سيّدتي.” في المرآب المزدحم بالسّيّارات، كنت أرتّب مشترياتي الأسبوعيّة في السيّارة وألتهم، كعادتي، قطعتين من حلوى “الكريمبو” بالفانيلا.
]]>