خيال الجماهير (أو مخيلة الجماهير) 1من اصل2
إن الخيال الخاص بالجماهير، كخيال كل الكائنات التي لا تفكر عقلانيًّا، مهيأ لأن يتعرض للتأثير العميق. فالصور التي تثيرها في نفوسهم شخصية ما أو حدث ما أو حادث ما لها نفس حيوية وقوة الأشياء الواقعية ذاتها. فالجماهير تشبه إلى حد ما حالة النائم الذي يتعطل عقله مؤقتًا ويترك نفسه عرضة لانبثاق صورة قوية ومكثفة جدًا، ولكنها سرعان ما تتبخر على محك التفكير. ولما كانت الجماهير غير قادرة لا على التفكير ولا على المحاكمة العقلية فإنها لا تعرف معنى المستحيل أو المستبعد الحدوث. ونحن نعلم أن الأشياء الأكثر استحالة هي عادة الأكثر إدهاشًا وتأثيرًا.
ولهذا السبب فإن الجوانب الساحرة والأسطورية من الأحداث هي التي تدهش الجماهير دائمًا وتؤثر عليها. والواقع أن العجيب الساحر والأسطوري هما الدعامتان الحقيقيتان للحضارة. ونلاحظ أن المظهر قد لعب دائمًا في التاريخ دورًا أكثر أهمية من الواقع. فاللا واقعي يهيمن فيه على الواقعي.
ولما كانت الجماهير عاجزة عن التفكير إلا بواسطة الصور فإنه لا يمكن جذبها والتأثير عليها إلا عن طريق الصور. ووحدها هذه الأخيرة ترعبها أو تجذبها وتصبح باعثًا على العمل والممارسة.
ولهذا السبب فإن التمثيلات المسرحية التي تقدم الصور بصيغتها الأكثر وضوحًا لها دائمًا تأثير ضخم على الجماهير. وكان الخبز والعروض المسرحية يشكلان قديمًا مثال السعادة بالنسبة لكل الناس في روما القديمة. ولم يتغير هذا المثال إلا قليلا على مدار العصور المتتابعة. ولا شيء يؤثر على الخيال الشعبي أكثر من قطعة مسرحية. فكل الصالة التي تشاهدها تحس بنفس المشاعر، وإذا لم تتحول هذه المشاعر فورًا إلى أعمال فعلية فذلك لأن المشاهد الأكثر لا وعيًّا لا يمكنه أن يجهل أنه واقع ضحية الأوهام، وأنه قد ضحك أو بكى من مغامرات خيالية بحتة.
ولكن أحيانًا تكون العواطف الموحاة من قبل الصور قوية إلى درجة أنها تميل لأن تتحول إلى ممارسة وفعل تمامًا كالمقترحات العادية. وغالبًا ما رووا قصة ذلك المسرح الشعبي المأساوي الذي يضطر لحماية الممثل على المخرج بعد انتهاء المسرحية،