سعيد بن سلطان وابنه برغش
حاكمان عمانيان عربيان على جزيرة زنجبار على السواحل الشرقية الإفريقية ، كن لهما الفضل في تطوير الجزيرة مما جعلها مطمعاً للمستعمرين الأوروبيين . كان العرب العمانيون بد بسطوا سلطانهم على شرق إفريقيا منذ القرن الثامن الميلادي ، كما يقول بعض المؤرخين . وحين حاول الحجاج بن يوسف الثقفي إخضاعهم بقوة جيش ضخم ، انتقل الإمامان سليمان وسعيد إلى شرق إفريقيا ويقال إنه كانت توجد هناك جالية عمانية عربية كبيرة ، ويقول المؤرخ الأمريكي ” ويندل فيليبس ” إن جزيرة زنجبار ” حكمها سلاطين عمان من اليعاربة ومن آل سعيد ” .
وتذكر بعض كتب التاريخ أن العرب العمانيون وصلوا إلى زنجبار وسواحل شرق إفريقيا منذ عام 1690 م واستطاع ” سيف بن سلطان ” طرد البرتغاليين الذين كانوا يتحكمون في معظم سواحل إفريقيا والبحر المتوسط وآسيا وكانوا قد احتلوا مسقط ( عاصمة عمان اليوم ) بين عام 1508 و 1648 م حتى طردتهم القبائل منها .
ولد ” سعيد بن سلطان ” في إمامة مسقط حوالي عام 1776 / 1204 هـ . وتولى الحكم عام 1806 م ويقال إنه قام في عام 1828 م بزيار لزنجبار وكانت تحت الحكم العماني ، فأعجب بجوها وجمال طبيعتها فجعلها مقر حكمه وتقل عاصمته إليها ليحكم منها عمان وباقي سواحل إفريقيا .
اتسع في عهده نفوذ السلطنة العمانية فامتد من بندر عباس في إيران وحتى ميناء زنجبار غرباً شاملة ممباساً ومقديشيو حتى وسط إفريقيا . وازدهرت الحياة الاقتصادية التي كانت تعيش على تعايش الأجناس من عرب وأفارقة وآسيويين وتعتمد على التجارة البحرية مع معظم الشعوب فكان الأسطول التجاري العماني من أكبر الأساطيل في البحار تسانده قوة عسكرية .
أرسل ” سعيد بن سلطان ” سفينته العمانية المسماة بالسلطانة ، إلى الولايات المتحدة الأمريكية وكانت تقل ( أول ) مبعوث عربي إلى هناك وهو ” أحمد بن النعمان الكلبي ” . عقد اتفاقيات مع 22 دولة على الأقل وراسل حكام 33 دولة ، لكنه ابتعد تماماً عن التورط في المشاكل الدولية فرفض طلب خديوي مصر مشاركته في منازعاته خاصة ومع السلطة العثمانية .
حافظ ” سعيد بن سلطان ” على استقرار دولته مستخدماً الديبلوماسية ، في وقت اشتد فيه التنافس بين بريطانيا وفرنسا على المستعمرات في إفريقيا وعلى كسب جانب السلطنة العمانية بالذات . وبينما دعمت فرنسا علاقاتها التجارية مع سلطنة عمان ، رفضت بريطانيا ذلك بادئ الأمر ثم أبدت مرونة عالية في التفاهم معها ، وكانت اكتشافات المغامرين والجغرافيين الأوروبيين قد فتحت باب الطمع في إفريقيا حتى زنجبار التي دار حولها الصراع بين بريطانيا وإيطاليا وفرنسا وألمانيا انتهى بتوقيع اتفاقيات لتحديد مناطق نفوذ كل منها .
وقع السلطان سعيد اتفاقية صداقة مع الولايات المتحدة الأمريكية . لكن بريطانيا عقدت معه اتفاقية تجارية ، فقد كانت المملكة واسعة الثراء ، وكانت تشترط وضع يدها على السفن التي تتاجر بالرقيق ! وبدأت إحكام سيطرتها على تجارته البحرية بمساعدة ( شركة الهند الشرقية ) التي أسستها واحتلت بها الهند .
كان ” سعيد بن سلطان ” أول من زرع القرنفل في جزيرة زنجبار ، بالرغم من رفض الأهالي ، لكن الجزيرة اليوم تأتي على رأس الدول المصدرة لأرقى أنواع القرنفل في العالم ، كما افتتح الطرق وبنى القصور والمساجد وجعل الجزيرة من أجمل المناطق على الساحل الإفريقي .
ويذكر المؤرخ ” فيليبس ” أن ( إنتاج الذهب كان يعادل نصف مليون جنيه استرليني بحساب ذلك الوقت ) بالإضافة إلى تجارة جوز الهند وجوز الطيب وتجارة الرقيق . ويقال إنه كان يعيش في قصره ألف خادم ، وكان أسطوله البحري يتكون في ذلك الوقت من خمس وسبعين سفينة في كل سفينة 56 مدفعاً ! ويقول المؤرخ الأمريكي ” فيليبس ” عن فترة حكم ” سعيد بن سلطان ” ( إنه كان صاحب أقوى أسطول في المنطقة بين الرجاء الصالح بإفريقيا حتى اليابان ) و ( أنه أهدى فرقاطة بحرية مسلحة إلى ملك بريطانيا ، وفرقاطة أخرى إلى رئيس الولايات المتحدة الأمريكية ) ! !
توفي ” سعيد بن سلطان ” عام 1273 هـ / 1856 م على سفينته ( فيكتوريا ) في رحلة من عمان إلى زنجبار ودفن في زنجبار . وترك 36 من أبنائه بينهم 26 من الذكور ، تصارعوا على الحكم من بعد خاصة ” ماجد ” و ” برغش ” وكاد الصراع أن يؤدي إلى حرب دامية فاستعان ” ماجد ” بالبريطانيين ، الذين شكلوا لجنة تحكيم يرأسها المندوب السامي في الهند . فقسموا سلطنة عمان إلى عمان وكانت من نصيب السلطان تويني بن سعيد ، وإلى زنجبار وأعطيت لماجد بن سعيد ، ومنذ ذلك التاريخ انفصلت زنجبار عن عمان .
وكان ” برغش بن سعيد ” هو السلطان الثاني بعد وفاة أخيه ” ماجد بن سعيد ” وكان من أم عبدة للسلطان أعتقها بعد ولادتها لبرغش والذي ولد عام 1837 . استلم الحكم عام 1870 بعد أن سجن أخاه الأصغر ” خليفة ” حتى لا ينازعه على الحكم . لكن فترة حكمه شهدت ازدهاراً لجزيرة زنجبار وسواحل إفريقيا الشرقية والتي أولاها عناية خاصة .
طور البنى التحتية للبلاد وشبكات المياه والحمامات العمومية ( ! ! ) وأجهزة الشرطة لبسط الأمن كما فتح الطرق والحدائق العامة والمستشفيات والمباني الحكومية الضخمة التي كانت من أرقى ما ترك العرب العمانيون في بلاد سواحل إفريقيا وزنجبار ، اهتم بالتعليم وكان يحب العلماء ويجلهم . عمل بقوة على نشر الثقافة العربية في شرق إفريقيا ، ونشر الإسلام واللغة العربية وبنى المساجد وتدريس العلوم وأسس المطبعة السلطانية في زنجبار .
لكن أهم ما قام به هو إلغاء الرق وتجارة العبيد ، وفتح البلاد على العالم الخارجي بدهاء ديبلوماسي فتعامل مع كل القوى الاستعمارية في ذلك الوقت . وكان يستطيع التلاعب بها بمهارة ويعد آخر سلاطين عمان في إفريقيا الذي حافظ على الاستقلال الفعلي عن الأوروبيين ، بالرغم من أنه كان يستشيرهم جميعاً ، حتى نال وسام القديس مايكل والقديس جورج ووسام البرج والسيف العسكري من بريطانيا .
أمام صراع القوى الاستعمارية قسمت زنجبار عام 1886 م ونشطت الحملات التبشيرية البريطانية والتفرقة بين العرب والأفارقة وتوفي ” برغش بن سعيد ” بعدها بعامين في 1888 م . وسلم ابنه ” خالد ” الصلاحيات لبريطانيا بعد أن خسر الحرب القصيرة معها .
خرجت زنجبار من الوصاية البريطانية وحصلت على استقلالها عام 1963 م . وانضمت في كيان مع تنجانيق وسميت ( تنزانيا ) ! !