شرح مبسط لأطروحة ستيفن هوكينغ حول توسع الكون
مطلع الشهر الحالي نشر موقع جامعة كامبريدج أطروحة عالم الفيزياء الكونية الشهير ستيفن هوكينغ التي تتحدث عن خصائص الكون المتوسع.
الأطروحة هذه أتيحت للجميع مجاناً بقرار من هوكينغ نفسه، وقد عطلت موقع الجامعة بسبب الإقبال الشديد على تحميلها. والأطروحة عبارة عن ١٣٤ صفحة وهي متوفرة هنا لمن يود الإطلاع عليها.
أطروحة هوكينغ تغطي عدة نقاط، من ضمنها أمواج الجاذبية التي تم إكتشافها مؤخراً، ولكن الفصل الأخير من الأطروحة هو الذي يعتبره علماء الفيزباء الأكثر أهمية لكونه يتطرق إلى ولادة الكون نفسه. موضوع الأطروحة «خصائص الكون المتوسع» معقد للغاية، ما يعني أن الإقبال الشديد هذا قد لا يترجم لقراءة فعلية للأطروحة، خصوصاً وأن كتاب «تاريخ موجز للزمن» الذي ألّفه هوكينغ، ورغم كونه من الكتب الاكثر مبيعاً، هو أيضاً واحد من أكثر الكتب التي لم تتم قراءتها. لذلك سنحاول أن نتحدث عما ورد في أطروحة ستيفن هوكينغ بشكل مبسط.
نظريات ولادة الكون
الأهمية الكبرى لنظرية هوكينغ أنها تمكنت من إثبات أن نظرية الانفجار العظيم ممكنة، فلم تعد مجرد معادلات رياضية تم إستنتاجها من معادلات طورها علماء الفيزياء لوصف احتمالات تكون الكون. نظرية الانفجار العظيم في يومنا هذا حقيقة علمية مقبولة، ومع ذلك تبقى الفكرة مذهلة وغريبة. فكرة النظرية هي أن الكون كان فيما مضى عبارة عن نقطة واحدة شديدة الكثافة، فانفجرت، وتمدد الكون، وهو في حال تمدد مستمرة.
في الوقت الذي نشر هوكينغ أطروحته في العام ١٩٦٠، كان العلماء ما زالوا يناقشون هذه الفكرة، التي لم يكن هناك إجماع عليها. النظرية البديلة حينها كانت نظرية الحالة الثابتة، والتي هي عبارة عن نموذج تم تطويره عام ١٩٤٩ من قبل فريد هويل وتوماس غولد وهيرمانبوندي. وفق هذه النظرية هناك مادة جديدة تتشكل باستمرار مع توسع وتمدد الكون بحيث يؤمن الحفاظ على المبدأ الكوني المثالي.
ما قام به هوكينغ في أطروحته هو إثبات أن نظرية الانفجار العظيم ممكنة الحدوث، ولكن لفهم كيف فسر ذلك فإن ذلك يتطلب معرفة ودراية واسعة بالفيزياء.
الزمكان والتفرد
في بداية القرن العشرين قلب ألبرت أينشتاين المفاهيم كلها حين طرح نظرية النسبية. أينشتاين أثبت أن الجاذبية لها خاصية هندسية للزمان والمكان، وأن انحناء الزمكان (الزمان والمكان مندمجين في نسيج واحد) يرتبط بشكل مباشر مع الطاقة والزخم لأي مادة إشعاع موجودين.
الزمكان هو طريقة للتفكير بإطار ونظام الكون، الذي يجمع بين الفضاء الثلاثي الأبعاد والزمان صاحب البعد الواحد. كل شيء موجود وكل شيء يحدث في مكان ما في الزمكان. ولكن يصعب على غالبية البشر تخيل هذا الأمر، لأنه رغم أننا نتحرك في كون ثلاثي الأبعاد، لا يمكننا السفر الى أي مكان نريده كما هي حال الزمن. الأمر يشبه حشرة عالقة على سطح بحيرة، فهي يمكنها فقط التحرك ببعدين (في الاتجاهات الأربعة على سطح البحيرة) رغم أنه هناك بعد ثالث (فوق البحيرة وتحتها).
النسبية العامة تظهر الصلة بين الفضاء والوقت، وأينشتاين يفسر ارتباط انحناء الزمكان بكثافة المادة والطاقة في «معادلات أينشتاين للمجال». بعد نشر هذه المعادلات قام العلماء باستخدامها في محاولة لاكتشاف ما الذي قد يحدث للزمكان في ظروف مختلفة.
في الحالة التي كانت فيها المواد مكثفة جداً ومضغوطة في نقطة واحدة، توقعت معادلات أينشتاين أمراً مفاجئاً وغريباً .. انحناء الزمكان كان حاداً لدرجة أن الضوء نفسه لا يمكنه المرور من خلالها.
واليوم نحن نعرف هذه النتيجة باسم الثقوب السوداء، وقد تم بالفعل إثبات وجودها من خلال الاكتشافات الفضائية. هذه الحالات حين تكون الإجابات على المعادلات غير محدودة تسمى تفرد.. وهوكينغ عنون فصله الأخير بهذه التسمية، وحاول اكتشاف مبدأ هذه الأمور ولكن ليس للزمكان في محيط الثقوب السوداء بل للكون بأسره.
من الثقوب السوداء الى الانفجار العظيم
في علم الكونيات، هناك اعتقاد أساسي أن الكون يجب أن يكون متجانساً ومتناحياً. بشكل مبسط، مكونات الكون يجب أن تكون موزعة بالتساوي، ويجب أن تبدو متشابهة كيفما تم النظر إليها من أي موقع. الحل البسيط لمعادلات أينشتاين للمجال، والتي تحترم كل هذه المعايير، هي مترية روبرتسون ووكر، والتي هي حل دقيق للمعادلات، والتي تطرح انحناء للكون مبنياً على ديناميكا السوائل.
ما هو هام في هذه المترية هو أنها تسمح للجزء المكاني بالتغير مع الزمن، ما يعني أنها يمكنها أن تصف الكون حيث الفضاء نفسه يتوسع. مترية ووكر ونظرية أينشتاين تصفان هذا التوسع من خلال «عامل المقياس» الذي يصف حجم التوسع وحجم التقلص في نقطة معينة في الزمن وفي الوقت الحالي.
وبما أن الكون يتوسع، فهذا يعني أنه كان بالتأكيد في يوم ما أصغر وأكثر كثافة. وعندما نعود بالزمن فإن عامل المقياس يجب أن يكون صفراً. كل المادة وكل الطاقة في الكون لا بد أنها كانت ضمن نقطة واحدة بكثافة عالية جداً.. تفرد كوني. هذا هو أساس نظرية الانفجار العظيم.
إلغاء نظرية الحالة الثابتة
نظرية الحالة الثابتة حاولت إلغاء فكرة التفرد الكوني. التفرد في وقت نشر الأطروحة، كان موضع تشكيك، وتم اعتباره نتيجة مباشرة لضعف وخلل في نظريات أينشتاين. في نظرية الحالة الثابتة الكون لا نهاية ولا بداية له. هو توسع تم تفسيره من خلال إضافة معادلة «سي فيلد» إلى معادلات أينشتاين.
هوكينغ نسف هذه النظرية من خلال البناء على عمل الفيزيائي البريطاني روجر بنروز، وأثبت من خلال المعادلات الرياضية أن التفرد لم يكن نتيجة خلل في المعادلات، وإنما هي ميزات متوقعة. وحتى إنه أظهر أن نظرية النسبية العامة سمحت بوجود كون بدأ من تفرد كوني.