شعراء العصر العباسي
بعدَ انفتاحِ الدولة العباسية على الحضارات المجاورة، وبعدَ خروج شعراء العباسيين على وُعورة اللفظ البدويّة، وبعد اهتمام الخلفاء العباسيين بالشعر والشعراء، برزَ عدد كبير من الشعراء العباسيين الذين حفروا أسماءهم عميقًا في ذاكرة الأدب، مخلّفين نتاجًا شعريًّا عظيمًا، لم تزلْ تَتدارسهُ الأدباء والشعراء والمختصّون حتى هذه اللحظة، ولعلّ أبرز شعراء العصر العباسي الذين أثروا خزينة الأدب بمذهّباتِهم:
ابن الفارض: سلطان العاشقين، وأحد الشعراء المتصوفين الذين برزوا في العصر العباسي، وهو القائل في قصيدتِه:
قلْبي يُحدّثُني بأنّكَ مُتلِفي روحي فداكَ، عرفتَ أمْ لمْ تعرفِ لم أقضِ حقَّ هَوَاكَ إن كُنتُ الذي لم أقضِ فيهِ أسىً، ومِثلي من يَفي ما لي سِوى روحي، وباذِلُ نفسِهِ في حبِّ منْ يهواهُ ليسَ بمسرفِ
البحتري: يعدُّ البحتري من أشهر شعراء هذا العصر، جرى على لسانه الشعر في سنّ مبكرة، وقد استسقى من الشاعر أبي تمام والتمسَ أثره، وهو القائل واصفًا الربيع:
أتاكَ الربيعُ الطلقُ يختالُ ضاحكًا من الحُسن، حتَّى كادَ أنْ يتكلما وقد نبّه النيروز في غَسَق الدجى أوائلَ وردٍ كنّ بالأمس نوّما
بشار بن برد: يعدُّ بشار من أبرز شعراء العصر العباسي إنْ لم يكنِ الأبرز، وهو الأكثر تأثيرًا في المشهد الشعري لذلك العصر، وكان بشار بن برد مقرّبًا من الخلفاء العباسيين لشاعريتِهِ الكبيرة، وقد اشتهر له بيت سرى على ألسنة الناس، ولم يزل ساريًا حتى اليوم، وهو:
يا قومُ أُذنِي لبعضِ الحيِّ عاشقةٌ والأذنُ تعشقُ قبلَ العينِ أحيانَا
أبو الطيب المتنبي: هذا الجبل العظيم، وهذا الهرمُ الشعريّ الذي يعدُّ من أعظمِ وأشهر شعراء العربيّة على الإطلاق، وهو أبرزُ شعراء العصر العباسي دون شكّ، المتنبي الحكيم الشاعر، الذي لم يتركْ جملة شاعرية في المديح إلّا وتناولها، الشاعر الذي لم تزلْ أصداء كلماتِهِ تتردد في كلّ مدى من العالم العربي، كيف لا وهو القائل:
على قَدْرِ أهلِ العَزْمِ تأتي العزائِمُ وتأتي على قَدْرِ الكِرامِ المكارمُ وتَعْظُمُ في عَينِ الصغيرِ صغارُها وتَصْغُرُ في عينِ العظيمِ العظائمُ
والقائل أيضًا:
أنا الذي نَظَرَ الأعمى إلى أدَبي وأسْمَعَتْ كلماتي مَنْ بهِ صَمَمُ الخيلُ والليلُ والبيداءُ تَعرفُني والسَّيفُ والرُّمحُ والقرطاسُ والقَلَمُ
وقائمة شعراء العصر العباسي طويلة لا تعدّ ولا تُحصى، كابن الرومي وحمّاد الراوية وأبي العلاء المعري وأبي العتاهية وأبي نُواس وأبي فراس الحمدانيّ، وكثير من الشعراء الذي خلّدتهم أشعارُهم في عقول الناس جيلًا وراء جيل. [١].