ضفيرة

ضفيرة

ضفيرة
ضفيرة

اعتدت أن أتسلم الطفلة تائهة أو رضيعة، لتقضي السنين هنا حتى تكبر. تأتي نساء كثيرات كمتطوعات لرعايتهن، فالحرب انتهت منذ فترة. كان الطابق الأول كله – عدا غرفتي الموظفين- مطبخاً وغرفة «تشغيل»، وفي الثاني غرف الحضَّانات.

في أقصى حديقة المبرَّة بناءٌ من طابقين تنقل إليه الإدارة البنات الأكبر ما أن تظهر عليهنّ علامات أنوثة. وبينهما حديقة تتناثر فيها أشجار الجميز والمانجو والجوافة. وينبسط عشب تصطف عليه البنات في مواعيد الغداء. يفتح عم جمعة البوابة على مصراعيها كلما جاءت سيارة. يترجل منها نساء ورجال يتجهون إلى مكاتب الموظفين فيوقّعون أوراقاً شتى، ويعودون صحبة طفلة. لم يكن عددهنّ ينقص، فكل فترة أتسلم بناتٍ جديدات.

يداعبني عم جمعة قائلاً:

– هي كانت بتتوحم على الفراولة؟

فثمة وحمة تمتد من الشفة حتى صدغي الأيمن مثل أسفنجٍ أحمر. وكنت أشير إلى أصبعه الزائد قائلاً:

– اربطه بشعرة من ذيل حصان وبعد أيام يسقط وحده. اليوم قال لي:

– «مسكو جوابات غرامية في مبنى البنات». تذكرتُ الولدَ المقوّس الساقين منهمكاً فوق إحدى الأشجار، يلقي بثمارها للفتاة أم نَمَش، فتتلقفها وتضعها في كيس. فاتت أيام ثم رأيت البنات يقفن بالعرض في صفين؛ أمام مدير الدار والواعظ والمشرفة ورجل غريب ببالطو فوق جلباب؛ له شارب رفيع. في البدء نادى المدير أربعة أسماء. تقدَّمت واحدة. دارَ حولَها ذو الشارب الرفيع ثم أخرج مقصاً وفجأة جزَّ إحدى ضفيرتيها. حينئذ علا صراخ الفتيات وعمَّ الجري والمطاردة.

يخفين الضفائر في العِب أو خلفَ الياقة. إلى أن جيء بواحدة كالمقبوض عليها يمسك بها رجلان. حاول ذو الشارب الرفيع جزَّ ضفيرتها فتلوَّت. وعلا صوت يطلب من عم جمعة إحكام غلق البوابة ومراقبة السور. تركها ذو الشارب إلى البنت أم نَمَش، وكلما مدَّ يداً ليمسك برأسها أنزلَتها. فيعيد مدَّها، فتعيد إنزالها. حتى شعرتُ أنه يتهيأ لعراك، بينما الضفيرة المجزوزة ملقاة فوق العشب.

بعد أيامٍ كانوا على الوقفة ذاتها، وأحدهم يجرّ كيساً كالجوال. يستخرج منه المدير ما يشبه العباءة لها زُنط ويناولها للمشرفة التي تلبسه للبنت، فتبدو شيئاً مضحكاً.

جلباب يشبه عباءة الشيخ تدخل فيه كل منهن، وترخي الزُنط. وقفن جميعاً متشابهات بلا معالم. كتل سوداء تخرج رأسها ويديها مثل سلحفاة؛ مِن الدِرع. كانت البنات يحسرن العباءات إلى فوق قليلاً، وينظرن ضاحكات.

m2pack.biz