أما جيرشينكرون فقد رأى أن مفهوم طلعت حرب عن النظرية الألمانية للبنوك المختلطة جاء أقرب للحقيقة مما ذهب إليه الجريتلي . هذا فضلاً عن أن الجريتلي غاب عن ذهنه نقطة في غاية الخطورة ولعلها النقطة الأكثر أهمية هنا ، وهي عدم التفاته لأهمية التأثير الذي تركته الأفكار الغربية على رؤية العالم لدى طلعت حرب وقطاع عريض من البرجوازية المصرية . فحقيقة الأمر أن الإمبريالية الأوروبية تترك عادة أثراً ثقافياً ـ علاوة على أثرها المادي ـ على الشعوب التي تستعمرها وعادة ما تقتصر هذه الآثار على النقاشات حول المجالات الفنية وأفكار الديمقراطية الليبرالية ، وما يغيب هو ضرورة التركيز على أن الفلسفات الاقتصادية لرجوازيات العالم الثالث قد تأثرت بشدة بالغرب الصناعي .
وهناك بعد ثلاث هام في الخبرة العملية لطلعت حرب تمثل في عمله كوكيل لعدد من كبار ملاك الأراضي المصريين المعروفين ، كان من بينهم : فؤاد سالم حجازي ، ابن الناشط الوطني المعروف لطليف سالم حجازي ، وأحمد بليغ باشا ، الناظر السابق للدائرة السنية ، وعمر سلطان باشا ـ وهو الأكثر أهمية ـ ، لأنه العضو الأكثر بروزاً من بين أعضاء العائلة واسعة النفوذ والثراء وهي عائلة سلطان بمحافظة المنيا . وكان لخبرة طلعت حرب كوكيل عن كبار الملاك هؤلاء نتيجتان : الأأولى أنها أسست لعلاقات متينة لطلعت حرب مع عدد من العائلات القوية والتي كانت ذات نفع كبير له خلال تأسيسه لبنك مصر فيما بعد . أما الثانية فقد مكنت طلعت حرب من اكتساب المهارات اللازمة للتعامل مع أعضاء الطبقة المصرية العليا ممن هم أعلى منه في المركز الاجتماعي ، وهي المهارات الهامة التي احتاج طلعت حرب إلى تطويرها بشدة نظراً لأنه وجد نفسه مرغماً على استعمالها بين الحين والآخر لتحقيق التوازن بين القوى السياسية والاقتصادية المتنافسة في مصر خلال محاولاته لتأسيس مجموعة شركات مصر .