وبينما عانى الفلاحون في القاع من تراجع عام في مستوى معيشتهم بانقضاء القرن التاسع عشر ، فقد تمكنت طبقة كبار ملاك الأراضي من تجميع كمية هائلة من رأس المال والذي وفر أحد المتطلبات الأساسية لتطوير رأسمال صناعي . ومع تركيز ملكية الأراضي في يد عدد قليل من الملاك ، فقد بدأ صغار الملاك في فقدان أراضيهم ، عادة من خلال آليات كبار الملاك والمرابين . وتوفرت بالتالي أيدي عاملة بالأجرة ، وهي المطلب الثاني لنهوض رأسمال صناعي . وإذا كان التوجه نحو تأكيد التآكل والتراجع في معظم أدبيات نظرية التبعية ( كما في معظم الكتابات الاستشراقية )
قد تركز على جانب واحد فقط من جدلية التطور الرأسمالي . فإن ماركس ، على الجانب الآخر ، شدد في رؤيته على أن تطور الرأسمالية هو عملية تجديدية وقابلة للتحلل في الوقت ذاته وأن هذان البعدان يرتبطان ببعضهما بصورة جدلية . ففي حين أدى إدماج مصر في السوق العالمية لتفاقم ، إن لم يكن خلق ، العديد من المشكلات التي يشار إليها عادة على أنها مؤشرات على غياب التنمية ، فإنها ساعدت كذلك على توفير الموارد المادية والأيديولوجية التي أصبح بمقدور المصريين استغلالها لتعديل ، إن لم يكن إعادة هيكلة ، الفروق في القوة السياسية والاقتصادية بين مصر وأوروبا بالكامل .