وانطلاقاً من هذا الإطار الواسع الذي يمكن من خلاله النظر لعمليات التصنيع في الدول الأقل نمواً ، فإن هذه الدراسة تطرح أربعة أسئلة عريضة . منها سؤالان تاريخيان في موضوعهما ، والسؤالان الآخران يتعلقان بالجانب النظري من المسألة . السؤال الأول : ما هي القوى الاجتماعية التي وقفت وراء إنشاء بنك مصر ؟ ولماذا تم تأسيسه في ذلك التوقيت بالذات ؟ والسؤال الثاني : لماذا شهد البنك فترة من الانتعاش الاقتصادي تلتها فترة واجه فيها خطر الانهيار المالي ؟ والسؤال الثالث : ما هي الملامح التي يمكن استنباطها من الإجابة على السؤالين الأولين للمساهمة في الجدل الدائر حول ما إذا كان التصنيع ممكناً في الدول غير الغربية ؟ وما إذا كان من الممكن أن يحدث التصنيع تغييراً في مستويات المعيشة في هذه الدول ؟ وإلى أي مدى يمكن لعملية تصنيع مولة ومدارة من الداخل أن تنجح إذا كان هدفها أن تظل مستقلة ومناوئة لهيمنة رأس المال الأجنبي ؟ علاوة على ذلك ، ألا يوجد بديل أمام الجماعات التي تحاول تحفيز التصنيع في الدول الأقل نمواً سوى الاستسلام في النهاية أمام رأس المال الأجنبي ؟
والسؤال الرابع والأخير يثير إشكالية ما اصطلح على تسميته بالبورجوازية الوطنية في عمليات التصنيع في دول العالم الثالث ، فكيف تنشأ هذه الطبقة ؟ وما هي مكوناتها الاجتماعية ؟ وما هي العوامل التي تؤثر على تماسكها السياسي ؟ وما الأثر الذي يجلبه وجود ـ أو غياب ـ هذا التماسك على عملية التصنيع ؟
في محاولة للإجابة على هذه الأسئلة ، فإن الإطار الكلي والأشمل لدراسة التصنيع في دول العالم الثالث وأثره على مشكلات التخلف يكمن في دراسة الاقتصاد السياسي لدى ماركس ، خصوصاً نظريات ماركس عن الإمبريالية ، فقد كان ماركس ذاته غامضاً في بعض كتاباته بخصوص التنمية الرأسمالية في العالم غير الغربي وعلاقة هذه التنمية بقوى السوق العالمية .